مما لاشك فيه أن بلادنا غنية بثرواتها وبرجالها المخلصين ويأتي في مقدمة الثروات الطبيعية البترول والغاز وعلى رأس رجالها المخلصين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - أما بقية الثروات فهي لا تعد ولا تحصى وكذلك الرجال، لذلك فإن الشح في فرص العمل أمر غير طبيعي يجب البحث بعمق عن مسبباته وعن العوامل التي أدت إليه بعمق وصدق توجه بعيداً عن التنظير والحلول الآلية والتعامل مع ذلك بشفافية وثقة وحزم ومتابعة. إن ضمان فرص العمل للشباب من أهم وسائل زرع مفهوم الولاء وأسرع طريقة لمحاربة الفقر وهي الحل الأمثل لمكافحة البطالة ورفع مستوى المعيشة وكل ذلك يخلق جيلا يشعر بالمسؤولية تجاه وطنه وأمته وهنا لابد من الإشارة إلى ان أهم العوامل التي تحجب فرص العمل المتاحة وتمنع المواطن من الاستفادة منها ووسائل الحد منها يتمثل فيما يلي: * وجود عمالة أجنبية تسيطر على نسبة كبرى من فرص العمل المتاحة. هذا ويقدر عدد القوى العاملة الأجنبية بحوالي تسعة ملايين وهذا العدد يمثل ما يقرب من (50٪) من عدد السكان في المملكة. ووجود هذا العدد الهائل من العمالة الأجنبية لابد وان يدق ناقوس الخطر من الناحية الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والتركيبة السكانية ناهيك عن حجب فرص العمل والتحويلات المالية التي تصل إلى ما يربو على مئة مليار ريال سنوياً. وإذا اضيف إلى ذلك عمليات التزوير والسرقة وترويج المخدرات والانحلال الأخلاقي من قبل البعض اكتملت منظومة الخطر. خصوصاً ان المنطقة تمر بمخاض عدم الاستقرار وما تمثله العمالة السائبة من وسيلة في مقابل مادي. وحتى لا أعمم فإننا بحاجة ماسة ودائمة لكل مخلص وأمين ومتخصص من تلك العمالة ذلك ان الحراك التنموي على مختلف الأصعدة المتخصصة يعاني نقصاً حاداً في الخبرة الوطنية في بعض المجالات وهنا لابد من الدعوة الجادة إلى الحد من العمالة الأجنبية بصورة تدريجية ضمن خطة خمسية أو عشرية تؤدي أولاً إلى الحد من معدل زيادتها السنوية التي تقدر بحوالي (15٪) أو أكثر، وثانياً يبدأ العد التنازلي لخفض تلك الأعداد إلى ما لا يتجاوز (20٪) من عدد السكان. * محاربة التستر بصورة فعلية ومحاسبة المتستر ووضع الضوابط والجزاءات الصادرة بحق من يمارس ذلك العبث، ذلك ان التستر من أهم العوامل التي تحجب كثيرا من فرص العمل، وتؤدي إلى كثير من الممارسات غير السوية. كما أن معاقبة من يشغل العمالة السائبة له أولوية قصوى. * ثقافة العيب تجاه بعض المهن وانتقاص من يمارسها أمر لابد من التعامل معه بصورة احترافية يأتي في مقدمتها التثقيف من خلال توظيف علم الاجتماع وعلم النفس والإعلام بوسائله المختلفة ناهيك عن المدرسة وخطب الجمعة والجمعيات المختلفة بحيث تصبح ثقافة العمل هي المعول عليها وليس بعض الأعراف الاجتماعية البالية التي لازالت معشعشة لدى حتى بعض من يحسبون على المتعلمين. * غياب روح المغامرة والتجريب لدى الشباب السعودي في مجال العمل إلا ما ندر وذلك على غرار ما تفعله العمالة الوافدة التي تأتي دون خبرة تذكر ثم تصنع نفسها أو توضع تحت المحك ومن خلال الممارسة وتطبيق قاعدة «تعلم الحلاقة في رؤوس المساكين» أي ثقافة الخطأ والصواب يصبح الواحد كهربائيا أو ميكانيكيا أو سمكريا وذلك في ورش صيانة السيارات، أو يصبح طباخا أو نادلا في مطعم أو بنشريا أو مغير زيوت أو مسوقا أو بياعا في محلات الجملة والمفرق أو كاشيرا في المحلات التجارية. وفي كل الأحوال كل تلك الأعمال تمارس دون شهادات مهنية وبل المؤمل أن تكون غير سعودي! أليس شباب الوطن أحق بهذا التدريب المكلف الذي يدفع ثمنه المواطن خسارة فادحة في مركبته أو صحته عندما يسلمهما إلى تلك العمالة التي تتعلم فيهما وبمقابل مادي مجز يدفع لها مقابل ما تقوم به من تخريب؟ والطامة الكبرى انه إذا أراد أحد الشباب السعودي العمل حتى من يحمل شهادة مهنية منهم تكاتفت العمالة الأجنبية ضده وخسرته من خلال المنافسة غير الشريفة ناهيك عن كون العمالة الأجنبية أقدر على المنافسة من حيث الوقت والالتزامات ونوع الخدمة والمقابل المادي والمعنوي. ولكي ترى وتشاهد تلك الممارسات فما عليك سوى التوجه إلى أحد ورش صيانة السيارات أو غيرها من ورش الصيانة أو المطاعم أو غيرها من الجهات التي يفترض فيها تقديم خدمة مهنية راقية بدلاً من خدمة فهلوة وفراسة وتخمين، ناهيك عن ان من يقومون به ليس صيانة بل هو تبديل لقطع غيار قد تصيب وقد تخيب. * غياب الرقابة والمساءلة والتفتيش وكذلك الجهات المعنية التي يمكن ان تنصف الزبون الذي يدفع دم قلبه مراراً وتكراراً. قد يقول قائل لماذا لا يذهب صاحب السيارة أو المركبة أو الجهاز إلى الوكالة المعنية؟ والجواب ان المستجير بالوكالات بدلاً من ورش الصيانة البدائية كالمستجير من الرمضاء بالنار بسبب الغلاء الفاحش لدى الوكالات. * إن ما يحدث في ورش الصيانة يحدث في عمليات البناء والتشييد والسباكة والكهرباء والتكييف والتبليط والتلبيص والعزل والتحديد والتجارة وغيرها من الأعمال التي ينفذ كثيراً منها أناس أخذوا الخبرة من التجريب في رؤوس المغفلين. * إن الأمر لا يقتصر عند حد عدم المعرفة الكافية بل يتعداه في بعض الأحيان إلى الغش والتدليس حيث يتم استبدال بعض القطع الأصلية بقطع غيار تجارية أو محاسبة الزبون على أساس أصلي بينما ما تم تركيبه لا يعدو أن يكون تجاريا أو مستعملا. * غياب المرجعية في كثير من مواقع عمل العمالة الأجنبية خصوصاً ورش صيانة السيارات وغيرها فالورشة تحمل لوحة ولها اسم ومالك لكن العمالة التي تعمل بها إما سائبة أو شبه سائبة فهي تستأجر المحل من المالك وتدير العمل لصالحها وعند ارتكابها مخالفة أو خطأ كبيرا تختفي عن الأنظار أو تنتقل للعمل في موقع آخر تحت اسم محل أو ورشة أخرى فيضيع الحق حتى ولو كان وراءه مطالب خصوصاً عند غياب جهات رسمية لفض النزاعات في مواقع العمل الرئيسية. وعلى أية حال فإن العمل على سعودة جميع الأعمال والأشغال المهنية والفنية التي تسيطر عليها العمالة الأجنبية امر في غاية الأهمية وذلك مثل: * ورش صيانة السيارات والمعدات والأجهزة سواء في المناطق الصناعية أو في الوكالات. * تشغيل وصيانة الأجهزة والمعدات في المستشفيات والجامعات والمصانع والمختبرات وغيرها. * جميع تقنيات وأساليب البناء والتشييد مثل البناء والتحديد والتجارة والتبليط والتلييص والدهان والسباكة والكهرباء والتكييف وحدّث ولا حرج. * خدمات محطات الوقود وغيار الزيوت وإصلاح العجلات وتبديلها. * طواقم التمريض في المستشفيات والمراكز الصحية. * التسويق والبيع بالجملة والمفرق والعمل في نقاط البيع في المحلات التجارية والسوبر ماركات والدكاكين والتموينات وأسواق الخضار والفواكه. * خدمات النقل والمواصلات مثل الليموزين والاتوبيسات ووسائل الشحن وغيرها. * المطاعم ومراكز الوجبات السريعة والمطابخ واخواتها. * محلات الخياطة الرجالية والنسائية ومراكز التصوير. * صوالين الحلاقة ومراكز التجميل. نعم إن أغلب هذه المهن وغيرها تتم مزاولتها من قبل العمالة الوافدة دون خلفية علمية أو تدريب مسبق بل يتم التعلم والتدريب على رأس العمل بل ان واقع الحال يقول ان أغلبهم يأتي ولا يعرف شيئاً ولكن الفرصة تعطى له أو هو يأخذها عنوة. ومع ذلك يقف الشباب السعودي موقفاً سلبياً من هذه الفرص المتاحة دون ان يقتحمها ويشارك ويتعلم من خلال الممارسة أليس هو أحق من أولئك؟ أليس العمل باليد أمان من الفقر؟ أليس أحسن أنواع الكسب ما كسبه الإنسان بعمل يده، وإلى متى نظل ورشة تدريب للعمالة الوافدة؟ نعم لقد تم تأنيث بيع المستلزمات النسائية بقرار مما فتح فرص عمل عديدة ومربحة أمام المرأة السعودية ويتوقع الجميع أن ينجح نجاحاً باهراً وعليه فإن إصدار قرارات سعودة تخص كل فرع من فروع العمل السابقة الذكر ولو على مدى خمس أو عشر سنوات سوف يكون له مردود ايجابي من عدة وجوه مثل: - فتح فرص العمل المشغولة بالعمالة الوافدة أمام الشباب السعودي وتمكينه منها وهذا يحد من البطالة ومضاعفاتها. - هذه إحدى وسائل الحد من العمالة الأجنبية التي ذكرنا سلبياتها في مقدمة هذا المقال. نعم إن عملية السعودة تحتاج إلى قرار سياسي يلزم الجهات المعنية بالتنفيذ خلال فترة زمنية تتراوح ما بين خمس إلى عشر سنوات تتم مراجعة نتائجها بصورة دورية وعدم ترك الأمر لاجتهادات فشلت أكثر من مرة وأجهضت مرات عديدة. إن ضمان فرص العمل للشباب من أهم وسائل زرع مفهوم الولاء وأسرع طريقة لمحاربة الفقر وهي الحل الأمثل لمكافحة البطالة ورفع مستوى المعيشة وكل ذلك يخلق جيلا يشعر بالمسؤولية تجاه وطنه وأمته وقد قال المثل القديم «الوطن هو الذي ترزق فيه وليس الذي تولد فيه». أيها الشباب الطموح كونوا عاملين قادرين على التكيف مع بيئة العمل وتحرروا من الكسل والخمول وواجهوا الحياة بعزيمة الشباب التي لا تلين..