صدقَ من قالَ إن « المعاناة تولِّدُ الإبداعَ « .. فهذا القولُ يمكنُ أن ينطبقَ على مبدعٍ في أي مجالٍ له نشاطٌ فيه دونَ أن يتوقفَ الإبداعُ عندَ حدودٍ معينةٍ أو في مجالاتٍ محددة . والذي يدفعُني إلى قولِ ذلكَ هو ما قرأتُهُ عن سيدتينِ فاضلتينِ سعوديتينِ : المحامية دارين المباركي والمحامية دينا أبو زيد اللتين أنشأتا موقعاً الكترونياً لتقديمِ الاستشاراتِ القانونيةِ مجاناً لعدةِ أسبابٍ : - السببُ الأولُ وهو الأهمُ أن هاتينِ السيدتينِ قد درسَتا القانونَ في جامعةِ الملكِ عبدِ العزيزِ في جدةَ ولكنْ لم تتمكنا من مزاولةِ مهنةِ المحاماةِ لعدمِ وجودِ أنظمةٍ تسمحُ لهما بذلك . - السببُ الثاني هو أن الكثيرينَ يحتاجونَ إلى استشاراتٍ قانونيةٍ لإدارةِ أشغالِهِم وتسويةِ أمورِهِم خاصةً وأنهم بأغلبيتِهِم يجهلونَ حقوقَهُم وواجباتِهِم القانونية . - السببُ الثالثُ هو أن الكثيرينَ لا يمتلكونَ الأموالَ اللازمةَ للجوءِ إلى محامٍ عندَ الضرورةِ بسببِ التكاليفِ الباهظة . - السببُ الرابعُ هو أن هاتين السيدتين لم تذهبْ دراستُهُما سدى بلْ استغلتا ما نالتا من علومٍ ومعرفةٍ لخدمةِ الإنسانِ ومجاناً حتى تشعُرا بوجودِهِما أسوةً بالرجلِ الذي له الحقُ بالقيامِ بما يشاء . وبقدرِ ما أحيي هاتين المبدعتين بقدرِ ما أتساءلُ عن الأنظمةِ التربويةِ المعتمدةِ في بلادِنا إذ هلْ يُعقلُ أن جامعةً عريقةً في جدةَ مثلَ جامعةِ الملكِ عبدِ العزيزِ تقبلُ بتسجيلِ طالباتٍ في كليةِ الحقوقِ وهي تعلمُ أنهن لن يستطعن استثمارَ ما بَذلن من أجله جهداً وسهراً لسنوات . وهل يعقلُ أن مهنةَ المحاماةِ لا زالتْ ممنوعةً عن السيدةِ في وقتٍ باتَ مجتمعُنا مليئاً بسيداتِ الأعمالِ اللواتي يحتجْنَ بالضرورةِ في أعمالِهِن إلى مستشاراتٍ كما احتجن عندما انطلقن إلى مستشارين . وما هو العائقُ أمامَ المرأةِ من أن تترافع أمامَ قاضٍ أو أن تدافعَ عن مظلومٍ وهي بكاملِ لباسِها الشرعي وبما يتفقُ مع كلِّ متطلباتِ الدين ..؟ وهل يحقُ لأي امرأةٍ تتعرضُ لظلمٍ في عملِها أو في بيتِها أن تلجأ إلى محامٍ رجلٍ ولا يحقُ لها اللجوءُ إلى محاميةٍ يمكنُ لها أن تفهمَ أكثر مشاعرَها ومشاكلَها وأن تعينَها وتقفَ معها لردِ ظلمٍ أو لتصويبِ خطأ ..؟ أليسَ في ذلك إهداراً لمقوماتِ الطاقةِ البشريةِ التي تعتبرُ عماداً من أعمدةِ الاقتصادِ الوطني ؟