أدهشتني الفنانة إلهام شاهين، ثم جاءت زميلتها غادة عبد الرازق لتضيف للدهشة استغراباً أظنه يستحق. إلهام شاهين، التي تُصنف ضمن نجمات جيل الوسط في السينما المصرية، لم يعجبها نقد بعضهم لملابسها في أحد المسلسلات الرمضانية، فقرّرت أن ترد عليهم باستخفاف وتجهيل هي أول من يعلم أنه لا يليق، وخصوصا أن كثيراً من هؤلاء وقفوا معها وهي تدافع عن فيلمها الأخير (خلطة فوزية). إلهام شاهين قالت في ردها: إن هؤلاء لا يعرفون أصول النقد، ولذلك هم "لا يستحقون الرد"، بل "لا يستحقون اهتمامي"، ثم استطردت موضحة أن ظهورها بملابس معينة (قميص نوم) أمر يفرضه السياق الدرامي للعمل الذي تشارك في بطولته، مكرّرة بذلك الحجة المعتادة في مثل هذه المواقف. غير أن أكثر ما يستوقف قارئ تصريحات إلهام هو ما ذكرته في فقرة تالية، فقد قالت: إن مقارنة ما ظهرت به بما تعرضه بعض الفضائيات يكشف تفاهة من انتقدوها.. لماذا؟ لأن قميص النوم يعدّ، وفق ما استخلصته من هذه المقارنة، شيئا محترما ولا يستحق كل هذه الضجة!! قياس فاسد بالتأكيد، لكن أخطر ما فيه هو تعبيره عن ذاك الاتجاه الذي يتنامى بيننا، ويعتمد على فلسفة عتيقة مفادها أنك لست مجرما طالما أن هناك آخرين أكثر إجراما منك؛ اللص - مثلا - لن يشعر بأي ندم لأنه يعرف صديقا له ارتكب جريمة قتل، والقاتل - مثلا - سيعدّ نفسه مجرد لاعب هاو إذا قارنوه بسفاح.. بالمثل سيقبل الموظف الصغير بالرشوة لأنه شاهد مديره يطلبها بنفسه، والتلميذ سيحترف الغش طالما أنه سمع مدرسه يكذب على المدير، بينما ستتسابق قنوات التلفزيون إلى تقديم أفلام عارية طالما ظلت درجة الفحش فيها أقل من القنوات الأخرى. أما غادة عبد الرازق فأظهرت تعاليا مذهلا وهي ترد على من انتقدوها مؤخرا، وبالذات حين ذكرت أن كثيراً من الاتهامات التي تطاردها من صنع منافسين يسعون إلى تشويه صورتها. ورغم أن غادة التي يصعب على الإنسان رصد أكثر من دور أو اثنين مؤثرين لها في الشاشة، لم توضح لمحاورها ما الذي تقصده ب (صورتها)، إلا أنها بنت على مقولتها نتائج خطيرة أبرزها: أنها - ولله الحمد - لن تشغل بالها بكل ذلك، وستركز في فنها. وعلى طريقة إلهام شاهين، قدمت غادة مبررا غريبا لظهورها بملابس خادشة في مسلسل ( الباطنية)، فهي - ومن باب الرغبة في إتقان الشخصية - أرادت أن تكون مقنعة للمشاهدين, وبما أن الباطنية حي شعبي متخصّص بتجارة المخدرات، فليس أقل من ظهور سيداته وهن يدخن الشيشة ويرتدين ملابس من هذا النوع الذي ظهرت به.. أكثر من ذلك، قررت غادة أن تكمّم أفواه منتقديها بأن سألتهم: "هل كان من الممكن أن أؤدي هذا الدور بالحجاب؟". هذا أيضا قياس فاسد؛ فالباطنية، التي سبق تقديم قصتها دراميا وسينمائيا دون حاجة إلى كل ما قالته الفنانة الشابة، لم تكن كلها تاجرات مخدرات، بل إن تجارة المخدرات ذاتها - وعلى وضاعتها - لا ترتبط بعلاقة حتمية مع العري.. أما خطورة هذا المنطق فتكمن في أنه يبيح للفن أن يحاكي الجوانب المثيرة في الواقع بحثا عن الربح والشهرة، بدلا من مواجهة السلبيات وتقويمها بطريقة راقية تحترم عقل المشاهد ولا تلعب على غرائزه. مثل هذا المنطق، إذا شاع، سيؤدي إلى توفير غطاء لكل الجرائم التي ترتكب باسم الفن، بل سيسهم في دفع عجلة العري إلى الأمام؛ بحيث يصبح معتادا لدينا أن نشاهد كل ما هو مقزز وكأنه تجسيد لواقع هو في الحقيقة مجرد هامش. أكرم خميس