أثارت إدارة شبكة متاجر سوبر ماركت «ماركس اند سبنسر» البريطانية ضجة واسعة اعتبرتها بعض الأوساط السياسية والإسلامية منها في شكل خاص بأنها مفتعلة والهدف منها إثارة مشاعر المواطنين البريطانيين وتحريضهم ضد المسلمين وذلك بإصدارها تحذيراً لزبائن المتجر الذي يُعتبر أحد أكبر المتاجر في بريطانيا وله فروع منتشرة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك العالم العربي، مفاده أن الزبائن قد يواجهون ممانعة لبيعهم المشروبات الكحولية ومواد غذائية تحتوي على لحم الخنزير من جانب الموظفين المسلمين العاملين في المتجر. ووشفقا ل (الرأي) الكويتية صدر التحذير أول من أمس وجرى سحبه بسرعة بعد ساعات قليلة، لكن مفعوله كان هائلاً وأثار ضجة واسعة في بريطانيا، نظراً لتوقيته، إذ انه صدر في آخر يوم أحد قبل حلول عيد الميلاد لدى المسيحيين وهو، وفقاً لمصادر مالية واقتصادية، أهم يوم تجاري خلال العام ليس فقط في بريطانيا، بل في المجتمعات المسيحية قاطبة، إذ إن الجميع يتدفقون على المتاجر للتبضع وشراء الهدايا والمواد الغذائية والمشروبات الكحولية استعداداً للعيد الذي يكون عادة لمدة يومين متتالين، على عكس الأعياد الأخرى. فالخمر مسألة أساسية بالنسبة للمسيحيين وتدخل في طقوس الديانة المسيحية، فإعلان ماركس اند سبنسر عن أن الموظفين المسلمين قد يمتنعون عن بيع الخمر للمواطنين انطوى على تحدٍ واضح للبريطانيين، من شأنه أن يثير البغضاء والكراهية للمسلمين. ومع أن إدارة المتجر قالت إنها أصدرت التحذير عقب تلقيها شكوى من أحد الزبائن ضد موظفة مسلمة محجبة رفضت بيع زجاجة شامبين له كونها تحتوي على الكحول. وبدلاً من تعامل الإدارة مع هذا التصرف كحدث فردي يتعلق بشخص معين، ارتأت إصدار تحذير عام للزبائن من موظفيها المسلمين. ويتساءل المتابعون لهذه الأزمة المفتعلة عن سبب توقيت الإعلان، فماركس اند سبنسر يبيع الخمر ولحوم الخنزير ومشتقاتها، من دون توقف، منذ أن تأسس المتجر في عام 1884، رغم أن أصحابه هم من أتباع الديانة اليهودية التي تحرّم مثلها مثل الإسلام تناول لحوم الخنزير ومشتاقاته، إلى جانب قائمة طويلة من المحرمات أو ما هو حلال وحرام بالنسبة لليهود. ومع أن ماركس اند سبنسر لم يوضح متى بدأ بتوظيف مسلمين للعمل في سلسلة المتاجر التابعة له، إلا أنه من المؤكد أن عدداً كبيراً من المسلمين البريطانيين يعملون في شبكة المتاجر التابعة له منذ عقود طويلة. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا عدا مما بدا حتى فطنت إدارة ماركس اند سبنسر لتحذير زبائنها الآن وعشية عيد الميلاد بالذات من طريقة تصرف موظفيها المسلمين؟ فهل يشكل رفض موظف مسلم واحد بيع مشروب كحولي لأحد الزبائن سبباً كافٍ لإصدار تحذير عام. فهل يُعقل أن إدارة المتجر تجهل توجهات موظفيها الدينية، خصوصاً المسلمين منهم، إلى أن جاءت شكوى الزبون الذي كان يبغي شراء زجاجة الشامبين؟ وهل كان الموظفون المسلمون في ماركس اند سبنسر في الماضي غير متدينين ولا يأبهون لبيع الزبائن الخمر ولحم الخنزير، وفجأة قبيل عيد الميلاد هذا العام فطِنوا إلى أن مثل هذا الأمر محرّم عليم لأنهم مسلمون؟ جميعها أسئلة مشروعة ينبغي بماركس اند سبنسر أن يجيب عنها. لكن الناطق باسم إدارة المتجر قال رداً على استفسارات وسائل الإعلام حول الموضوع «عندما يكون لدينا موظف تفرض معتقداته الدينية قيوداً على الغذاء أو الشراب الذي قد يلمسه، فنحن نعمل معاً معه لإسناد دور ملائم له في العمل، مثل قسم الملابس أو الفرن أو قسم المواد الغذائية». وأضاف المتحدث «كوننا متجراً علمانياً لدينا سياسة خاصة ترحب بكل الديانات، إن كان ذلك لدى زبائننا أو لدى قاعدة الموظفين». وقال «إننا نعتذر عن عدم اتباع هذه السياسة في الحالة التي تم تقديم الشكوى بخصوصها». فكلام الناطق يكشف عن أن وجود موظفين مسلمين لدى ماركس اند سبنسر ليس أمراً جديداً، بل ان لدى المتجر سياسة واضحة بشأن ما هو محرّم أو محلل بالنسبة للمعتقدات الدينية المختلفة. كما يكشف عن أن إدارة المتجر بدلاً من توجيه اعتذار لصاحب الشكوى عن تصرف الموظفة وابلاغه بأنها حالة فريدة رأت إصدار بيان وهي تعلم جيداً أنه ينطوي على إثارة واضحة للمشاعر الدينية ضد المسلمين. يُشار إلى أن عائلتي ماركس وسيف، أصحاب متاجر ماركس اند سبنسر، مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً بالحركة الصهيونية وساهمتا في بناء دولة إسرائيل وما زالتا تقدمين لها تبرعات مالية هائلة. ففي مذكراته يروي ماركوس كيف حارب في عام 1948 مع اليهود ضد الفلسطينيين من أجل إقامة دولة إسرائيل. ويشرح ماركوس أهمية الدور الذي لعبته عائلته في بناء دولة إسرائيل ومساهمتها في الحملات الإعلامية لدعم سياستها في بريطانيا والغرب، وكيف أن والدته أسست «فيتزو»، المنظمة العالمية للنساء الصهيونيات، والدور الذي قامت به العائلة في جمع التبرعات لإسرائيل وبناء المستوطنات اليهودية في فلسطين، كما يشرح في كتابه إيمان والده يسرائيل سيف عام 1941 بضرورة تنظيف فلسطين عرقياً من العرب الفلسطينيين، تمهيداً لإقامة الدولة اليهودية. ومما زاد من خطورة الأزمة أن إدارات بقية المتاجر والسوبر ماركتات الكبيرة في بريطانيا اضطرت للتعليق وإصدار بيانات حول الموضوع، مما انطوى على تحريض إضافي ضد المسلمين وتصويرهم على أنهم يعارضون الطقوس الدينية للمسيحيين. فشبكة متاجر «سينسبوريز» الضخمة التي تحتفظ هي الأخرى بفروع لها خارج بريطانيا ارتأت توزيع كتيب صغير على زبائنها بهذا الخصوص يحمل عنوان «كتاب الأيمان الصغير». وتقول إدارة المتجر أن الكتاب وُضِع بعد التشاور مع مجموعات دينية مختلفة، حيث تم التوصل إلى نتيجة مفادها أنه «إذا كان محرّما على شخص ما أن يتناول لحم الخنزير والمشروبات الكحولية، فذلك لا يعني أنه غير مسموح له بلمس هذه الأشياء مطلقاً». فيما قالت إدارة شبكة متاجر موريسون انها مدركة جيدة لما هو محلل أو محرم بالنسبة للمسلمين ولديها تجربة غنية في هذا المجال من شبكة متاجرها في مدينة برادفورد ذات الغالبية من المسلمين. ولفت الانتباه أن إدارتي شبكتي متاجر «تيسكو» و«أسدا» الكبيرتين أيضاً أعلنتا أنه لا توجد لديهما سياسة محددة في هذا الخصوص وأنهما يتعاملان مع الحوادث التي تقع على مثل هذه الخلفية في شكل فردي، وأوضحت إدارة «تيسكو» أنه من المستبعد أن تضع موظفاً على الصندوق غير قادر على لمس أشياء معينة.