أنت الآن.. تطل على العالم في مختلف مواقع تطوره.. تنوع حضاراته.. تنوع مفاهيمه.. النماذج المختلفة لأنماط ممارسة الحياة الاجتماعية.. مجرد هذا التميز الذي لو توقفت عنده فقط فلن يكون قادراً على منحك منطلقات التطور عند الآخرين.. بينما أنت واقعياً متواجد في أمامية بذل الجهود للحاق بمن يسعدون بواقع الأولويات الحضارية.. أنت الذي كنت قبل سبعين عاماً تقريباً يعاني والداك وأجدادك ممن لم يكونوا غرباء على واقع بدايات طفولتك.. إنه منظر مبهر ورائع رغم قسوة الاختلاف.. مبهر ورائع أن تكون على صلة رؤية ومعلومات عن حقائق ما كنت عليه في مجتمعك قبل سبعين عاماً وأكثر وأنت حالياً تعيشه من منطلقات خروج عن مؤثرات الهبوط في العالم العربي.. العالم العربي الذي كنت قبل تلك السبعين عاماً لا تدرك إطلاقاً مفاهيم ما هم عليه من حداثة ولا جزالة ما يوفرونه لأبنائهم من تنوع معيشة.. وليس بمقدورك أن تعايش أو حتى تعلم فقط نوعية مفاهيم ما يعيشه الأوروبي من تميزات مدنية..
كان في شرق آسيا قبل الأربعين عاماً تقريباً، وكذا في بعض افريقيا دويلات صغيرة تعيش غياباً اقتصادياً ومدنياً عما هو عليه العالم الأجنبي من حداثة، بينما هم الآن في الواقع أنقذوا ذاتهم على الأقل من مرحلة الضياع آنفة الذكر.. أصبحت لهم مدنية حياة خاصة.. أنت في الواقع لم تنتقل من بداوتك التامة.. من عزلتك التامة.. حتى أن أحداً منكم لا يعرف ماذا هم من يعيشون شمال جزيرته العربية أو جنوبها مثلاً.. لم تنتقل إلى مرحلة اكتفاء متواضع توجد فيه وسائل معيشة محدودة لكنك عاجز عن الوصول إلى واجهات التفوق الحضاري.. تعدد الانجاز العلمي.. تعدد الايرادات الاقتصادية.. هذا حدث لك.. حدث لك في اتجاه اقتصادي وعلمي ليس بالسهل الوصول إليه كما أنه ليس بالسهل الاستمرار فيه.. تخيل مدارسك.. ثم جامعاتك وكيف كانت قبل ثلاثين عاماً فقط.. وكيف هي الآن.. كيف كنا نحضر حوارات العالم العربي قبل ذلك الزمن.. الثلاثين عاماً.. ولا نتصور امكانية أن نأخذ مكان تميز فيه..الذي حدث الآن.. هو الحلم الذي ربما لم نكن نضعه هدفاً أولوياً.. أو هدفاً تتوفر قناعة اليقين بالوصول إليه، لكنك وبشواهد القدرات ونوعيات تأهيل الشباب نجدك يتوفر لك ما ليس في وطن عربي آخر..