الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" قام خلال عدة مناسبات في السنوات السابقة بتسجيل انطباعاته ومشاهداته حول الاقتصاد في المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية. ونقوم هنا بإعادة تقديم بعض مقالاته التي خص بها الشأن القطري بالتحليل والتعليق بمناسبة الأنباء حول إمكانية حصول تغيير مرتقب على مستوى السلطة في الإمارة. يمكن أن نصف قطر ودورها في هذه اللحظات الحاسمة من القرن الحادي والعشرين بأنها الدولة الصغيرة التي "تقول وتفعل،" فبعد أن اقتربت الدوحة قبل عقدين من حافة الإفلاس بسبب تراجع إنتاجها من النفط وارتفاع عجز موازنتها بشكل هائل عاد نجمها ليرتفع إلى درجة تسمح لها بمقارعة الكبار. قطر صغيرة الحجم تلعب مع الكبار فدور قطر في حلبة الاستثمار العالمي لا يمكن إغفاله، وذراعها الاستثمارية السيادية موجودة منذ عام 2005، ولكن البصمة التي تركتها كبيرة جداً وملحوظة. وقد تمكنت الصناديق القطرية من الاستحواذ على حصة كبيرة في شركتي "فولكس فاغن" و"بورشيه" بألمانيا، إلى جانب حصص بمصرفي "باركليز" و"كريدي سويس،" وكذلك ببورصة لندن وسلسلة متاجر "سنسبيري" البريطانية، كما استحوذت على متاجر "هارودز" العريقة. وكان عام 2009 استثنائيا بالنسبة للصناديق السيادية القطرية، إذ استثمرت في تلك السنة 32 مليار دولار في مختلف القطاعات حول العالم. وبحسب تقرير شركة "جون لاسال" العقارية، فإن قطر كانت أكبر مستثمر عقاري في العالم لعام 2010، وقد استحوذت على عقارات كبيرة في بريطانيا، بعضها يعتبر من أهم الأصول العقارية في العاصمة لندن. ويعود الفضل في بروز قدرات قطر المالية والاستثمارية إلى ثروتها الهائلة من الغاز، فلديها أكثر من 13.5 في المائة من الاحتياطي العالمي لهذه المادة، وتشترك في بعضه مع إيران، ولكن النقلة الفعلية في اقتصاد تلك الدولة كانت مع مشاريع أميرها، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي أدخل إلى البلاد صناعة تسييل الغاز. قطر.. من دولة غارقة بالديون إلى طفرة اقتصادية خلال جولة على الكورنيش البحري للعاصمة القطرية الدوحة، يمكن للمرء أن يتلمّس حجم التجربة القطرية، وقد دفعني هذا إلى الخروج بمصطلح جديد "Q فاكتر." فمن يتابع التلفزيون البريطاني يعرف بوجود برنامج مسابقات فنية تحت اسم "X فاكتر" مخصص للتنافس بين الأصوات والمواهب الموسيقية والفنية، ويبدو أن الحالة مماثلة في الخليج، حيث تسعى إمارة قطر للتنافس من الخدمات المالية وصولاً إلى بناء سكة حديد بحلول عام 2016. وبحسب التصور الموضوع، فإن محطة السكك الحديد ستكون مركزاً لتجميع الكثير من خطوط الخدمة، بينها خطوط مخصصة للرحلات الإقليمية، إذ تصل إلى البحرين والسعودية، وقد بدأت عمليات حفر الأنفاق والأساسات الخاصة بالمشروع. ولن يتم إنهاء الشبكة بالكامل إلا عام 2026، وينسجم هذا الأمر مع توقعات النمو السكاني في قطر، التي ارتفع عدد سكانها من 800 ألف إلى 1.6 مليون نسمة خلال عقد، ويتوقع الخبراء فيها تسجيل تزايد سنوي بنسبة خمسة في المائة خلال العقدين المقبلين. وسيظهر التحدي الحقيقي أمام قطر خلال العقد المقبل، مع خطة التطوير الطموحة المخصصة لتحديد اتجاه تطوير البلاد للربع قرن المقبل، علماً أن قطر تعمل حالياً على أكثر من 200 مشروع تتجاوز كلفتها الإجمالية 82 مليار دولار. وخلال مرحلة الازدهار التي تعيشها قطر حالياً، فإن الكثيرين لا ينظرون إلى الأيام الماضية في أواخر العقد الثامن من القرن المنصرم، عندما كان الدين القطري يعادل 80 في المائة من ناتجها المحلي، لكن الحكومة في تلك الأوقات الصعبة نفذت مشاريعها العملاقة للاستفادة من الغاز الطبيعي. "حرب الأنابيب" بمشاركة شرق أوسطية هناك صراع يلوح في الأفق بين طرفين، بين منظمتين تحاول كل واحدة منهما رؤية خط أنابيها وقد ارتسم على أرض الواقع، وبالتأكيد سيكون لهذا الصراع أثره على الشرق الأوسط، لكن الصورة التي سيظهر هذه الصراع من خلالها ما تزال غامضة.
فقد جمعت قمة "الغاز الطبيعي والشراكة والأمن لأوروبا" التي عقدت عام 2009 في العاصمة البلغارية، صوفيا، 29 زعيماً من حول العالم، حيث جرى التوقيع على إعلان يدعم "التطوير السريع للبنية التحتية في قطاع الغاز لضمان تنويع مصادره،" وهو تعبير ملطّف، استخدمه قادة أوروبا للتعبير عن قلقهم حيال الانقطاع المتكرر لإمدادات الغاز الروسي خلال السنوات الأخيرة. لكن كيفية ترجمة ذلك عملياً ما تزال غير واضحة، فتركيا تقدم نفسها على أنها لاعب أساسي في مسار خط أنابيب "نابوكو" الذي خطط القائمون عليه لمده على طول 3300 كيلومتر لاستجرار الغاز إلى أوروبا من حقول بحر قزوين، ويحظى المشروع بدعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتناهز تكلفته ثمانية مليارات دولار. وعلى الزاوية الأخرى من حلبة الملاكمة هذه، يقف مشروع "التيار الجنوبي" الروسي، الذي من المقدر أن تبلغ تكلفته عشرة مليارات دولار، ويقوم على مد أنبوب غاز من روسيا إلى إيطاليا عبر البحر الأسود وبلغاريا، وهو ينعم بمباركة ألمانيا التي تجمعها بموسكو علاقات جيدة منذ سنوات. وقطر، بحسب الخبير النفطي مهدي فارزي، متقدمة كثيراً على صعيد مشاريع تصدير الغاز، وخاصة مع مشروع "رأس لافان" الذي يرى المدير التنفيذي لشركة "غاز قطر،" فيصل السويدي، أنه يشكل "مستقبل البلاد" بسبب كمية الاحتياطيات الموجودة. فرغم صغر حجمها الجغرافي، فإن قطر تتربع فوق أكبر حقل غاز في العالم، وتضم أراضيها كميات من هذه المادة تضعها في المركز الثالث من حيث الاحتياطيات العالمية بعد روسياوإيران، وهي تصدّر حالياً الغاز إلى الإمارات وسلطنة عُمان من خلال مشروع "دولفين،" كما تقوم بإمداد السوق البريطانية بكميات كبيرة من الغاز المسال.