صدرت ترجمة لكتاب (أحلام وقمامة القاهرة) لمؤلفته الدكتورة فوزية أسعد، وقامت بترجمته عن اللغة الفرنسية ديما شعيب الحسيني. ويحار المرء في تصنيف هذا الكتاب، كما تقول المؤلفة، هل يعد رواية أم بحثا اجتماعيا أم إنثروبوجيا أم تاريخيا أم مزيجا من كل هذا؟ إلا أنها تعده (رواية تسجيلية) لأنه يحفل بوثائق ومستندات، وتاريخ فعلي لعديد من الأسر، كما أنها تتبع في خط طولي تطور حياة هذه العائلات بطريقة تقارب الخطوة بالخطوة. وتشير المؤلفة في مقدمة الرواية التي صدرت عن المركز القومي المصري للترجمة، إلى (أحلام) بطلة الرواية، وهي شخصية تمثل كل بنات الفقر المدمر تمنت من كل قلبها أن تتعلم وتذهب إلى المدرسة، وهو أمر لا تقبله العادات والتقاليد، ولذا فقد طأطأت رأسها لهذه العادات، وزوجت إلى سمير الذي سيعاني مصير كثير من أولاد الزبالين المصابين بالربو والمهددين بالبطالة والفقر. جاء هؤلاء جميعا من (دير تاسا) ومن (البداري)، وهما قريتان من صعيد أسيوط، ترمزان إلى أقدم الحضارات المصرية، ولكنهم بالطبع لا يعلمون بهذا، ولا يعلمون أن وجوههم تشبه الصور المنحوتة في الحجر، وأن تقاليدهم توحي بمكانة في الأزمنة الماضية. وترسي المؤلفة هدفها وهو التشديد على برنامج لتنمية مجتمع الزبالين، علاوة على تمكين بنات هذا المجتمع وتنويرهن من خلال الدراسة والعمل وكسب النقود، والتحرر إلى حد ما من قبضة السلطة الأبوية. في البداية تحكي المؤلفة عن كيفية انتقال عائلات بعينها من الصعيد إلى القاهرة ليعملوا في جمع القمامة وفرزها، وهو عمل يدر المال الكثير على المتحكمين فيه، ويعود بقدر قليل من المال على جامعي القمامة أنفسهم. وتسجل الرواية الكفاح اليومي لعديد من العائلات التي توطنت في أماكن فرز القمامة عبر إحدى العائلات، وقالت "لقد قاموا بإنشاء حمامات عامة، وتدميس الفول، وإشعال الفرن البلدي، وقسم الإخوة الأربعة العمل فيما بينهم؛ فأحدهم يفرغ القمامة، ويعاونه في ذلك ابنه، بينما تقوم زوجته وبناته بفرزها، أما عن الإخوة الثلاثة الآخرين فكل منهم يرقب ناره عن كثب، وتعاونه زوجته وأطفاله. وعندما استقر هؤلاء في جبل المقطم، كان ينقصهم القس الذي جاء إليهم من أجل حياتهم الروحية، في وقت كانوا يبحثون عن راحتهم في المخدرات والكحوليات، إلا أنه كان لكلمات القس فرحات إبراهيم وقع فى أنفسهم وكأنها (ناي الأساطير السحري)، فدعاهم إلى نبذ ذلك كله، وإلى احترام النساء والأطفال. كما دعاهم إلى الصلاة، فأطاعوه، وغدت نساؤهم أقل عرضة للنوبات الهيسترية، فلم يعد يخرج الأرواح الشريرة كما كان يفعل آنفا. وترى المؤلفة أن القس فرحات إبراهيم أتاح لزوجته أن يراها الجميع كل يوم في شوارع المقطم، لقد ساعدت على القضاء على ثقافة الصمت التي تسجن النساء والأطفال في أبشع أشكال التبعية.. التبعية للبؤس، بل وأسوأ من ذلك التبعية للرجل الذي يعيش في البؤس.. لقد أدخلت هي وزوجها أمل المعجزة في المقطم. واستعرضت المؤلفة عديدا من الخبرات المريرة التي يمر بها أفراد هذا المجتمع، مشيرة على سبيل المثال إلى لحظة اشتعال النيران فى مقلب القمامة الكبير، ما أدى إلى أن تمسك ألسنة اللهب فى البيوت المصنوعة من الأخشاب والصاج والورق.. لقد تآكل مأواهم جميعا، وأصبح لا بد من بناء بيوت بالطوب.. وحاولوا من جديد ليس لبناء مساكن فحسب، بل بإلقاء الضوء على الخرافات التي تهيم دون رادع في أذهانهم وسلوكياتهم.. غير أنهم تفوقوا على أنفسهم وقبلوا مبادرات مثل إنشاء مصنع للسماد. وأمام كل عقبة يتحفز الزبالون لتدراكها، حين دق علماء الجيولوجية ناقوس الخطر إثر تفتت صخرة جيرية في المقطم، تم إخلاء أحد الشوارع، وتمت محاصرة المنازل التي تهتز، وتساءل الجيولوجيون عمن يكون هو المسؤول، أهو خطأ الزرابين الذين يحرقون القمامة خلف أطلال صخرة جيرية قحلة؟ أم خطأ الهزة الأرضية التي دمرت مواسير المجارى؟ وعودة إلى أحلام التي توفي زوجها الأول، فغامرت بشراء الملابس الجاهزة من الغورية والعتبة، لتعيد بيعها في المقطم، وتحصل على ربح لا بأس به. وتتزوج أحلام للمرة الثانية، وفي حقيقة الأمر زوجها يفضل أن تجلب له المال على أن يراها تدرس. إنه يتلصص عليها، فيضبطها ومعها ورقة أو قلم أو كتاب.. وترى هي أيضا أن كسب المال يعطيها الإحساس بأنها مستقلة، وعند رجوعها من جولة الشراء ثم البيع تشعر أنها حققت إنجازا.. إنها تعد مالها، وتفتح حساب توفير لجهاز بناتها.