تتخلص القاهرة من آلاف الأطنان من القمامة يومياً، شأنها شأن أي مدينة عصرية. وأمضت رائدة المشاريع الاجتماعية ليلى إسكندر نحو 30 سنة تعمل على إيجاد حل نهائي وفعّال لمشكلة القمامة والفضلات. وخلال الجزء الأكبر من القرن العشرين، كان ما يعرف ب «الزبالين»، يجمعون القمامة في القاهرة. وأكبر تلك التجمعات السكانية هي قرية المقطم، الواقعة على سفح الجبل الذي يحمل الاسم نفسه، التي زارتها إسكندر للمرة الأولى عام 1982، وقالت: «رأيت المستوى المعيب لما يسمى مكان القمامة، حيث لا يوجد مبان للسكن، بل كتل كرتونية يعيش فيها الناس». وأشارت إلى أن «الزبالين، خلال العقود الماضية، كانوا يجمعون القمامة من منازل القاهرة في مقابل أجر زهيد أو مجاناً، وينقلون الفضلات المختلطة إلى الجزء الأكبر من أفنية بيوتهم لفرزها يدوياً، ما كان يستغرق نحو أربع ساعات يومياً». وكانوا يطعمون الفضلات العضوية للحيوانات أو يبيعون القمامة بعد تدويرها للمؤسسات الصناعية. ولفتت اسكندر إلى أن تحسين الظروف المعيشية للزبالين يتطلّب مساعدتهم على مواصلة واجباتهم التي يتقنونها، ومن بينها التدوير الصناعي، وتلقينهم كذلك كفاءة العمل وتوسيع نطاقه. وبيّنت أن «عوضاً عن بيع مواد مدوّرة للصناعات، بدأ الزبالون بغسل المواد المدورة وسحقها بأنفسهم، ما شكّل مكسباً للجميع، لأنهم كانوا يستوفون أسعاراً أعلى لقاء عملهم، وكان ذلك يناسب الصناعات على اعتبار أنها تتخلص من عناء هذا العمل». وخلال خمس سنوات، وبمساعدة من إسكندر والمنظمة التي شكّلتها، استُبدلت معظم الكتل الكرتونية بمبان مصنوعة من الآجر والبلاط في قرية المقطم، وجنّد الزبالون الدعم في أوساط الناخبين في دوائرهم ونجحوا في تقديم التماس لنوابهم لشق طرقات معبدة. وافتتحت منظمة إسكندر غير الربحية، «جمعية حماية البيئة»، مدرسة للبنات عام 1988 لتعليم القراءة والكتابة وغزل مواد مدورة لنسج أقمشة. وبحلول عام 2000، تحسّن مستوى المعيشة في قرية المقطم، لكن إسكندر أكدت أنها فوجئت بعدم التحاق بعض الأطفال بمدارس، وغالبيتهم من الصبية، لتسخّر حينها «شركة إسكندر للاستشارات» في القطاع الخاص، نهج «الكسب والتعلّم» لتأسيس مدرسة للبنين. وأجرت شركة إسكندر، المعروفة ب «سي آي دي» أخيراً، دراسة عن الاحتيال على أسماء العلامات التجارية، وخصوصاً من صناديق تحمل علامات تجارية ومعاد تعبئتها لبيعها في السوق السوداء. واتصلت بالشركة الأميركية العملاقة «بروكتر أند غامبل» لطرح فكرتها، وقالت: «فلنؤسس لمشروع تدوير صناعي، يستفيد منه الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس». وأسست برنامجاً يحفّز فيه المال التلامذة على الانخراط بالمدارس، وينص على قيام التلامذة بسحق العبوات الفارغة، ومنها زجاجات شامبو، وإعادة تعبئتها. وتشكّل حالياً قرية المقطم محطة تدوير صناعي كبيرة، تعالج نحو 300 طن من القمامة يومياً، لكنها مقسّمة إلى آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتشمل غسل المواد وطحنها وتخزينها. ووصفت اسكندر المنشأة ب «انها أكثر من مجرد منشأة رسمية تعالج مواد، إذ فتحنا أسواقاً للمواد المدورة صناعياً في الصين». ويواجه الزبالون تحدياً كبيراً يتمثل في استخدام الحكومة المصرية شركات كبرى متعددة الجنسية لجمع القمامة منذ عام 2003، لكن عملها تدهور خلال «ثورة 25 يناير»، كما أن مواعيد نفاد عقودها يعطي إسكندر والزبالين أملاً متجدداً بصمود مشروعهم.