باريس مشهورة بمقابرها، وأشهرها مقبرة بير لاشيز، حيث يبحث السياح عن قبر أوسكار وايلد. أنا أقيم بجوار مقبرة أخرى هي مقبرة مونبارناس، وحين أزورها آخذ هاتفي الذكي معي. لماذا يا ترى نحب المقابر؟ قد يظن البعض أن زيارتها تجعلنا نفكر في الموت وتحلل الأجسام وما إلى ذلك، ولكن ليس هذا ما يحدث، معي على الأقل. خلال السنوات العشر الماضية أصبحت عاشقا لمقبرة مونبارناس بممراتها وتماثيلها والنصب التذكارية فيها، وقد تعرفت الى أضرحة جميع المشاهير فيها، ومنهم سيرج جينسبورغ المغني والشاعر. الى جانب البوابة الشمالية نجد القبر المشترك لجان بول سارتر وسيمون دو بوفوار، وقد وضعت عليه ورقة مطوية أو اثنتين خطت عليها كلمات إعجاب، غالبا ما تكون باللغة اليابانية. نجد أيضا قبور شارل بودلير وغي دو موباسان وصاموئيل بيكيت. أرض المقبرة مقسمة إلى 30 قطعة، وفيها حراس يطلقون صفاراتهم في نهاية اليوم لتنبيه الزوار بضرورة الرحيل. إنه مكان لقضاء وقت ممتع في وسط مدينة حافلة بالأحداث، وأنا اكتشفت متعة إضافية أحصل عليها باستخدام الهاتف الذكي. هذه المتعة الإضافية هي الحصول على معلومات عن سكان المقبرة الذين يبدون مجهولين للوهلة الأولى. أشباح الماضي بفضل التكنولوجيا أصبحت تلك الاشباح من سكان المقبرة مخلدة. مررت في أحد الأيام بجانب قبر كتب عليه اسم جندي قتل في الحرب العالمية الأولى عام 1914، واسمه ماري جوزيف بريدو. ألم تسمعوا باسمه؟ لا عجب، ولكن هاتفي الذكي يخبرني أنه كان أول جنرال فرنسي قتل في معركة ضد الألمان خلال الحرب العالمية الأولى، بعد أسابيع قليلة من اندلاعها. ليس هذا كل ما هنالك، فغوغل يخبرنا أنه كان له ابن يدعى يوجين أصبح فيما بعد وزيرا للحربية في حكومة فيشي خلال الحرب العالمية الثانية، أما حفيده، واسمه يوجين ايضا، فقد اصبح عضوا في الفرقة الفرنسية لقوات الصاعقة الألمانية (اس اس). على مسافة قصيرة نجد قبر مدام لاماريشال، إسمها لا يبوح بشيء، إلا أن غوغل يخبرنا أنها كانت زوجة القائد فيليب بيتان الذي خدم في نظام فيشي. عرف عن الرجل أنه كان زير نساء، أما زوجته فبقيت وفية له للنهاية. القبلة في إحدى الزوايا أجد تمثالا يمثل شخصين مشتبكين في قبلة، وفي أسفله صورة باهتة لامرأة شابة، وكتابة باللغة الروسية. بحثت في غوغل فوجدت أن اسم المرأة تانيا راشيفيسكايا وهي شابة فوضوية انتحرت من أجل الحب عام 1908. نحت التمثال صديقها الروماني كونستانتين برانكوزي، المدفون بدوره في مكان آخر من المقبرة. في مكان آخر أجد قبرا لشخص اسمه تشارلز كروس، لاكتشف انه اخترع جهازا يدعى البليوفون، وهو النسخة المبكرة من الغرامافون التي اخترعت عام 1877. وأختم جولتي باستطلاع قبر يبدو جديدا لشخص يدعى موريس كريغل فالريمون، أحد رجال المقاومة الذين استلموا باريس بعد استسلام الالمان عام 1944. تذكرت أنني أجريت مقابلة مع هذا الرجل في الذكرى الستين لتحرير باريس، وها أنا أجد المقابلة هنا في هاتفي الذكي، أليس هذا رائعا؟