تميز الربيع العربي بظاهرة جديرة بالاهتمام، عدا الإطاحة بالقادة المسمرين على عروشهم، وهي تمزيق صور هؤلاء القادة، وتحطيم "أصنامهم" وتماثيلهم كما حدث في سوريا، إلى جانب تغيير أعلامهم وغيرها من الظواهر. في تونس، بدأ أول مشهد من مشاهد تمزيق صور الزعماء، حيث قام مواطنون تونسيون غاضبون بتمزيق صور ضخمة للرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، وكان مشهداً غريباً في ذلك الوقت، خصوصاً وأن صوره تملأ الشوارع، كما هو الحال مع صور زعماء آخرين كانت ستنال "الشرف" ذاته، أي التمزيق. الغريب في أحد مشاهد تمزيق واحدة من صور زين العابدين بن علي أن المتظاهر الغاضب عندما مزق صورته، وجد صورة أخرى لزين العابدين معلقة تحتها، وكأنها "تتحدى" المتظاهرين، وتقول لهم "أنا موجود شئتم أم أبيتم"، لكن النهاية كانت توجهه إلى منفاه في السعودية. مشاهد تمزيق الصور توالت بعد ذلك في مصر واليمن وسوريا وليبيا. في سوريا، يوجد إلى جانب صور الثالوث، أي الأسد الأب (حافظ)، والأسد الأخ (باسل) الراحلان، والأسد الابن (الرئيس بشار)، هناك تماثيل للرئيس الراحل حافظ الأسد، وهي منتشرة في كثير من المناطق. المتظاهرون في سوريا شرعوا في تحطيم تلك التماثيل، وكانت البداية تحطيم تمثال للأسد الأب في درعا، وتلاه تماثيل أخرى في العديد من المدن والمناطق السورية، الأمر الذي دفع السلطات إلى سحب عدد من التماثيل قبل أن يسارع المتظاهرون الغاضبون إلى تحطيمها. وكان لمشهد دحرجة رأس تمثال الأسد شيء من الغرابة بعد سنوات من وقوفه "شامخاً" في العديد من الميادين. في ليبيا، كان حال تمزيق الصور نفسه كما في مصر وتونس وسوريا، غير أن أبرز لقطة تلفزيونية كانت في تحطيم نصب "للكتاب الأخضر"، وهو الحدث الذي جاء مع بداية الانتفاضة الشعبية في ليبيا. لكن يبدو أن الأمور لا تقف عند هذا الحد في ليبيا، فقد حدثت أمور مستجدة على هذا الصعيد مع اقتحام مقر العقيد الليبي (المجهول مكان الإقامة حالياً) أي باب العزيزية الذي حامت حوله أساطير عديدة بعد أن كان مغلقاً في وجه المواطنين الليبيين منذ عقود. فبعد أن نجح الثوار في الاستيلاء على باب العزيزية، تقاطر المواطنون الليبيون والثوار إلى المقر، لأكثر من سبب، لعل أبرزها، حب الاستطلاع والفضول. خلال اللقطات القليلة التي ظهرت على الشاشات التلفزيونية المختلفة، شوهد العديد من الثوار والمواطنين وهم يأخذون "تذكارات" لهم من مقر العقيد. وشوهدت مجموعة من الشباب وهي تدوس على رأس تمثال للقذافي، وشوهد آخر وهو يحمل بيده رشاش كلاشنكوف مطلي بالذهب، بالإضافة إلى آخرين كانوا يحملون العديد من الحقائب السوداء، التي لم يعرف ما بداخلها. المشهد الأكثر دهشة كان لواحد من الثوار وهو يضع على رأسه قبعة العقيد القذافي، وسلسلة ضخمة، ربما كانت من الذهب، حول عنقه، وكان يحمل بيده صولجاناً. الصولجان والعقد حول الرقبة كانا جزءاً من عملية تنصيب القذافي ملكاً لملوك أفريقيا، وكأن لسان حال هذا الثائر يقول إنه يخلع القذافي من هذا المنصب، ويتوج نفسه ملكاً لملوك أفريقياً بدلاً منه. المشاهد هذه كلها، بدءاً من تمزيق الصور، وحتى حمل صولجان ملك ملوك أفريقيا، لا شك أنها لن تمحى من الذاكرة الشعبية، رغم أنها قد لا تؤثر كثيراً في أولئك الذين يجلسون على كراسي الحكم في الجمهوريات المضطربة في المنطقة العربية.