على خلفية ما حدث من فوضى وجدل في معرض الرياض الدولي للكتاب يوم الأربعاء 2/3/2011 يمكن القول إنها امتدادٌ للصراع الأبدي بين تيار اليمين المفرط في تحفظه وتيار اليسار المستهتر أوالتغريبي كما يُسمى. وإلا كيف نفسّر سلوك رجال (مجتهدين) إلى حد الإفراط في التشدُّد دهموا المعرض المزدحم بالرجال والنساء و(الصبايا والشباب) وتعاملوا مع العارضين والزائرين بنصح يشبه التعنيف والعنف أيضا؟! وقد تكون التغذية السلبية قد لعبت دورها في فرط الحماسة في تهييجهم وتجييشهم، وخاصة أنهم من الشباب المتحمس وجاءوا إلى المعرض متأثرين بما قيل عن وجود كتب فيها تطاول على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قيل أيضا عن (واقع مملموس) عن نساء لا تظهر عليهن علامات المتسوقات للكتب، وبدا بعضهن كما لو أنهن أتين لعرض الأزياء وروائح العطور. كان حرياً بالإخوة (المفرطين) في الاجتهاد ألا يرتكبوا مثل هذه الحماقات بالخروج على القوانين، وذلك بإبلاغ أقرب مركز لهيئة الأمر بالمعروف، وهي الجهة التي تملك الخبرة والغطاء النظامي في التعامل مع كل الشكاوى والبلاغات من هذا النوع، وخاصة أن هناك فئة في الاتجاه المضاد من بعض الليبراليين المتعصبين أيضا لفكرهم جاهزة لإلصاق مثل هذه التصرفات برجال الحسبة لتشويه دورهم النبيل في حماية المجتمع من الفسق والسفور. ويثمّن لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سرعة نفيها لما قيل إنهم تابعون لها، وهو موقفٌ فيه من حُسن الفطنة للهيئة لوضع حد للقيل والقال عن تصرفات بعض منسوبيها ومن المحسوبين عليها. وهؤلاء الرجال الذين ذكرت بعض وسائل الإعلام أن عددهم بالمئات لهم أوصاف (بعض) رجال الهيئة من حيث الشكل وطريقة المعالجة، وحاول وزيرالثقافة والإعلام عبد العزيز خوجة امتصاص اندفاعهم بالقول اللين، لكن حماسهم المفرط طال كل مَن في المعرض من نساء ورجال حتى الزميل تركي الدخيل الموجود في المعرض لحظة (الغارة) هاجموا برنامجه (إضاءات) واستديو القناة الثقافية السعودية أيضا ونجحوا في قطع البث وليس (التشويش عليه)! ولا تنتابني الشكوك حول حُسن نيّاتهم وحرصهم على الفضيلة، ولكن أختلف معهم في الطريقة في التعامل مع زوّار ومنظمي معرض الرياض للكتاب الذين اتسمت أقوالهم بالحماس المفرط الأقرب إلى إصدار الأوامر و(الإخضاع القسري) لا النصح اللطيف المنصوص عليه في الكتاب والسُّنة. يبقى القول: إن ما قام به الشباب المتحمس يدرج ضمن الظواهرالاجتماعية التي لا يخلو منها أي بلد في العالم، فهناك مَن هو في أقصى اليمين يقابله تيارٌ متشدّدٌ مثله متعصبٌ في أقصى اليسار. وإن صح ما قيل في المعرض عن وجود مثل هذه الكتب التي فيها تطاول على رموز دينية ومبالغات من النساء في التبرج، فإن ما أقدم عليه الطرفان من شباب مفرط في الحماس وآخرين قفزوا على (الخصوصية) فيه مسٌّ بأدب المجتمع المحافظ الذي لا يقبل (الغلو) من الطرفين.