باتت كل الاستعدادات "مكتملة" لإجراء استفتاء حول انفصال جنوب السودان عن شماله، بحسب مفوضية الاستفتاء، وذلك قبل أقل من ساعات على موعد بدء استفتاء الجنوب السوداني حول تقرير المصير، في حين تدفق المراقبون الأجانب ليكونوا شهودا على حسن سير هذه العملية التي يرجح أن تشهد ولادة دولة جديدة في جنوب السودان. وأعلن المتحدث باسم مفوضية الاستفتاء جورج ماكير، أن "الاستعدادات لإجراء الاستفتاء باتت مكتملة تماما". وأضاف في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أمس الجمعة "وصلت البطاقات إلى كل مراكز الاقتراع في الجنوب، كما أن كل الترتيبات الإدارية جاهزة استعدادا ليوم غد الأحد". وأوضح أن قوة الأممالمتحدة في السودان قدمت طائرات لنقل بطاقات الاقتراع إلى المناطق النائية. وتفتح مكاتب الاقتراع صباح غد الأحد على أن تتواصل عمليات الاقتراع لمدة أسبوع بسبب صعوبة المسالك في الولايات العشر التي يتألف منها الجنوب السوداني والتي تفتقر إلى أدنى مقومات المواصلات. واستفاد الجنوبيون من اليوم الأخير للحملة الانتخابية للنزول إلى شوارع جوبا والدعوة الى الانفصال. وتأخذ تظاهراتهم شكل الاحتفال المسبق بإعلان الاستقلال تحت شعار "الخطوات الأخيرة نحو الحرية". وتقدمت فرقة موسيقية تظاهرة جوبا وارتدى أفرادها قمصانا كتب عليها "نحن مغادرون" أي عازمون على الانفصال عن السودان والتصويت لصالح الانفصال. ووراء الفرقة الموسيقية تجمع عدد من طلبة المدارس داخل شاحنة وهم يرقصون على أنغام مكبرات ضخمة للصوت تردد "نعم للانفصال لا للوحدة". وقال جاكوب كيني أحد منظمي هذه التظاهرة "نريد أن نستفيد من آخر يوم من الحملة الانتخابية لندعو الجميع إلى المشاركة في التصويت". كما قال أركانجلو الكهل الجنوبي العائد من الخرطوم للمشاركة في الاستفتاء "لم يبق سوى يومين على الاقتراع وبعدها ستنقسم البلاد إلى قسمين". وعانى جنوب السودان من حروب طويلة مع الشمال أوقعت نحو مليوني قتيل، قبل التوصل إلى اتفاق سلام عام 2005 فتح الباب أمام إجراء هذا الاستفتاء الذي أعطى الجنوبيين حق الاختيار بين الانفصال والوحدة مع الشمال. وحتى قبل أسابيع قليلة كانت الشكوك لا تزال كبيرة حول احتمال إجراء هذا الاستفتاء سواء أكان لأسباب لوجستية أم سياسية. وجاءت تصريحات عدة لكبار المسؤولين من الشمال والجنوب لتبدد هذه المخاوف. وتكرس الاتفاق على ضرورة تسهيل إجراء الاستفتاء بالزيارة التي قام بها الثلاثاء الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى جوبا حيث التقى رئيس حكومة الجنوب سلفا كير. وقال البشير في كلمة ألقاها في جوبا "نحن مع خياركم. إن اخترتم الانفصال سأحتفل معكم"، مضيفا "على الرغم من أنني على المستوى الشخصي سأكون حزينا إذا اختار الجنوب الانفصال، لكنني سأكون سعيدا لأننا حققنا السلام للسودان بطرفيه". من جهته، قال رئيس قسم الجنوب في بعثة الأممالمتحدة إلى السودان ديفيد غريسلي "كان العديد من المتشككين يعتقدون أن الوقت لن يكون كافيا لإنهاء كل إجراءات الاستفتاء، وقد أخطأوا في اعتقادهم". وبلغ عدد المسجلين للمشاركة في الاستفتاء ثلاثة ملايين و930 ألفا في السودان والشتات بينهم ثلاثة ملايين و754 ألفا في الجنوب السوداني. ولا بد من مشاركة 60 % على الأقل من المسجلين في الاستفتاء لتعتمد نتيجته. وقال ريك ماشار نائب رئيس حكومة الجنوب في تصريح صحافي أمس الجمعة إن كل شيء بات جاهزا لإجراء "استفتاء سلمي وتاريخي". وأضاف ماشار الذي كان من أوائل القادة الجنوبيين المنادين بالاستقلال "حانت الساعة التي ستتيح للجنوبيين ممارسة حقهم في تقرير المصير عبر هذه العملية الديمقراطية". ويحظى هذا الاستفتاء باهتمام عالمي واسع، خصوصا من قبل الولاياتالمتحدة التي أرسلت السناتور جون كيري الذي أعلن من الخرطوم الأربعاء أن تصريحات الرئيس السوداني "مشجعة جدا". ومن المتوقع أن يصل الجمعة إلى الخرطوم الموفد الخاص إلى البيت الأبيض سكوت غرايشن. وأضاف المتحدث باسم مفوضية الاستفتاء جورج ماكير ايضا أن مراقبين من هيئات الأممالمتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي وهيئات مجتمع مدني سيشاركون في مراقبة الاستفتاء، خصوصا من مركز جيمي كارتر. وأشاد الرئيس الأميركي الاسبق كارتر أمس الجمعة بعمل مفوضية الاستفتاء، وقال بعد لقائه رئيسها محمد إبراهيم خليل ورئيس جنوب إفريقيا السابق ثابو مبيكي "لقد واجهوا صعوبات كبرى مع تأخر اختيار الأعضاء ومع مشكلات في التمويل. لذلك نسعد بتهنئة الدكتور خليل وفريقه". ودعا الرئيس جيمي كارتر شمال السودان إلى القبول "سلميا" بقرار الجنوب، أيا يكن، خلال استفتاء تقرير المصير، معتبرا أن في الإمكان التوصل إلى حل تفاوضي لمسألة أبيي المتفجرة. وكان مجلس الأمن الدولي رحب ليل الخميس الجمعة بإعلان الرئيس السوداني ورئيس حكومة جنوب السودان أنهما سيعملان على ضمان إجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب غدا الأحد في أجواء هادئة. ووصل الممثل الأميركي جورج كلوني الخميس إلى جوبا، على أن يتوجه إلى منطقة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب. وكان من المفترض أن تتم الدعوة إلى إجراء استفتاء في الوقت نفسه في هذه المنطقة لكي يقرر سكانها إذا ما كانوا يرغبون في الانضمام إلى الجنوب أو الشمال. إلا أن هذا الاستفتاء أرجئ إلى موعد لم يحدد بعد بسبب خلاف حول هذه الأرض بين قبائل المسيرية العربية المؤيدة للشمال وقبائل الدينكا المؤيدة للجنوب. ورغم ثرواته الطبيعية الكامنة سواء أكانت من النفط أم من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، فإن جنوب السودان في حال انتقاله إلى مصاف الدول المستقلة سيكون على الأرجح أفقرها. وقالت مليندا يونغ المسؤولة في منظمة أوكسفام في جنوب السودان "مهما كانت نتائج هذا التصويت فإن الفقر المزمن وغياب التنمية والخوف من عودة العنف هي أمور باقية ولن تحل بإجراء الاستفتاء". وأعلنت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أمس الجمعة من جنيف، أن عدد الجنوبيين الذين غادروا الشمال عائدين الى الجنوب للمشاركة في الاستفتاء تضاعف منذ منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي ليصل الى 120 ألف شخص.