يتوقع مراقبون أن يعطي العام الجديد قوة دفع جديدة لإصلاح النظام النقدي الدولي الذي طال النقاش بشأنه بما قد يضع نهاية لمكانة الدولار باعتباره العملة المفضلة في العالم. والحديث عن نهاية العملة الخضراء ليس بالأمر الجديد إطلاقا. ففي شهر سبتمبر عام 2007، قال رئيس مجلس الاحتياط الاتحادي الأمريكي بين برنانكي إن اليورو قد يحل في نهاية الأمر محل الدولار كعملة احتياط عالمية رئيسية. وتتعالى منذ سبعينيات القرن الماضي على الأقل الدعوات بإنشاء قواعد بريتون وودز جديدة لتنظيم العلاقات التجارية والمالية ويتم فيها منع الدولار من هيمنته الحالية. لكن الضعف المستمر للاقتصاد الأمريكي في أعقاب الانهيار المالي عام 2008، وقرار مجلس الاحتياط الاتحادي بعد ذلك بضخ السيولة في أسواق المال الدولية بدولارات رخيصة من أجل شراء سندات حكومية (والمعروفة باسم سياسة التيسير الكمي) أثار النقاش من جديد. من ناحية أخرى، تعزز ممانعة الصين لزيادة سعر صرف عملتها "الرينمينبي" بما يتماشى مع فائضها التجاري الضخم وجهة النظر بأن النظام الحالي لم يعد مستداما. وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي استلمت بلاده الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين بعد اجتماع للاقتصادات الأكثر قوة في العالم في سول في الثاني عشر من نوفمبر الماضي "يجب علينا تحديث النظام النقدي الدولي للقرن الحادي والعشرين". وخلال معظم فترات عام 2010، أججت التوترات في أسواق المال حرب عملات ساخنة بين الأوروبيين والأمريكيين وبين الأمريكيين والصينيين وبين الصينيين والدول الآسيوية المنافسة ، وبين القوى الصاعدة الأخرى مثل البرازيل وجعلتهم في مواجهة بعضهم البعض. وليس من قبيل المصادفة أن يكون واحدا من أول من تحدثوا صراحة عن حرب عملات في تشرين أول/ أكتوبر هو وزير المالية البرازيلي جويدو مانتيجا، إذ شهدت بلاده تدفقا ضخما لرأس المال من مستثمرين يسعون لتحقيق أرباح أعلى عن تلك المتوفرة في الولاياتالمتحدة. وأثار مثل هذا التحول قفزة في قيمة الريال البرازيلي ليرتفع بأكثر من 30% أمام الدولار منذ بداية عام 2009 ، ما جعل الصادرات البرازيلية أكثر غلاء بشكل كبير. ووفقا للترتيبات الحالية، يتم تنفيذ أكثر من 80% من معاملات الصرف الأجنبي بالدولار ، على الرغم من أن الاقتصاد الأمريكي يشكل أقل من ربع الاقتصاد العالمي. وفي الوقت نفسه، أكثر من 60% من الاحتياطيات العالمية مقومة بالدولار ما يجعل السياسة الاقتصادية الأمريكية مؤثرة بشكل غير متناسب. ولم يكن الأمر غريبا عندما قلق العالم عندما خسر الحزب الديمقراطي بقيادة الرئيس باراك أوباما السيطرة على الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي في البلاد. وفي سول ، تعهد قادة مجموعة العشرين بالإبقاء على اختلالات الحساب الجاري عند مستويات مستدامة والتحرك باتجاه أنظمة صرف تحددها السوق بما يعكس العوامل الاقتصادية الأساسية. واللغة المشتركة بشأن الرغبة في تشجيع إقامة نظام نقدي دولي يعمل بشكل طيب ويتسم بالاستقرار ، التقطها ساركوزي لتوضيح معنى أن قادة مجموعة العشرين أقروا أخيرا بأن الترتيب الحالي هو مشكلة. لكن ما هو الشكل الذي قد يبدو عليه النظام الجديد؟ محاولة اليورو كي يحل محل الدولار كعملة رئيسية عالمية قوضتها الصعوبات المالية التي تواجه اليونان وأيرلندا والبرتغال وكذلك المخاوف من عدوى دول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا بل وحتى فرنسا. ونظريا، يمكن للصين أن تسمح للرينمينبي بدور أكبر عالميا، تماشيا مع نفوذها الاقتصادي المتزايد. لكن هذا سيتطلب حرية لأكبر لتذبذب سعر صرفه عما يستعد مسئولون في بكين لإقراره. واقترح رئيس البنك الدولي روبرت زوليك في مقالة بصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية مطلع نوفمبر أنه يمكن أن يتم إحلال المزج الحالي لربط أسعار الصرف وحرية حركة أسعار الصرف والمعروف باسم "نظام بريتون وودز الثاني" بنظام من المرجح أن يكون في حاجة إلى مشاركة الدولار واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والرينمينبي يتحرك باتجاه التدويل وحينئذ يصبح حساب رأسمال مفتوح. وسيبحث مثل هذا النظام استخدام الذهب كمرجع دولي لتوقعات السوق بشأن التضخم والانكماش وقيم العملات مستقبلا. وفي الحقيقة، فإن نظام عالمي يربط العملة بسلة عملات يسري منذ عشرات السنين. فوفقا للنظام الذي يديره صندوق النقد الدولي، تتحدد قيمة حقوق السحب الخاصة على سلة عملات هي الدولار واليورو والين والجنيه الإسترليني. لكن نظرا لأن صندوق النقد ليس بنكا مركزيا عالميا يستطيع بشكل سريع إصدار حقوق سحب خاصة ، فإن استخدامها من المرجح أن يظل محدودا. وصاحبت دعوة ساركوزي إلى نقاش بدون محرمات ، إصلاح صندوق النقد بما يضمن سلطة اتخاذ القرار بشكل أكبر للدول النامية مثل الصين والهند والبرازيل، ما يعني أن سيادة الدولار لا يمكن ضمانها في عام 2011. وكما حدد البرازيلي مانتيجا في سول ، فإن تنويع العملات لن يكون بالأمر السهل ، نظرا لاعتماد التجارة العالمية على الدولار. لكن هناك حاجة لإجراء تغييرات مهمة نظرا لأن الاقتصاد العالمي لم تعد يحكمه عدد قليل من الدول القوية.