ربما لم يكن يتوقع (حما حما) هذا الفتى المشرد في شوارع العاصمة التونسية حتى في أسعد أحلامه ان تنقلب حياته رأسا على عقب بهذا الشكل، وان يتحول في وقت قصير من طفل مشرد في الشوارع الى نجم من نجوم الصف الاول بعد دور واقعي أداه في مسلسل يبث خلال شهر رمضان. ظهور الفتى (14 عاما) في مسلسل (كاستينج) الذي يبث على التلفزيون الحكومي في تونس للمخرج سامي الفهري، جاء مشابها او مطابقا لدوره في الواقع، إذ صور المسلسل معاناته اليومية من ادمان للسجائر وايقافه في اقسام الشرطة ونوم في عربات القطار المتهالكة. وذكرت (رويترز)، الجمعة 27 أغسطس 2010، أن الفتى انتزع بسرعة فائقة إعجاب آلاف التونسيين، الذين انبهروا ببراعته في اداء الدور التلفزيوني رغم جهله بالكتابة والقراءة وبتلقائيته التي شدت الناس اليه. هذا الفتى أصبح محور حديث التونسيين في البيوت والحافلات والمقاهي وحتى على صفحات (فيس بوك) موقع التواصل الاجتماعي على الانترنت. (حما حما) تمكن في ايام قليلة من ان يجمع نحو 20 ألف معجب في صفحته الرسمية على (فيس بوك) التي ساعده في انشائها فريق المسلسل؛ لكنه نجح ايضا في ان يجلب تعاطفا مع اطفال الشوارع في تونس، وان يعيد طرح اسئلة حارقة في اذهانهم عن المتسبب الحقيقي في هذه الظاهرة. وقال أيمن العيوني وهو طالب لغة أنجليزية ل (رويترز): "اكيد ان العديد من الناس سيغيرون نظرتهم لاطفال الشوارع، وسيعيدون مراجعة حساباتهم.. لان هذا المسلسل كشف بما لا يدع مجالا للشك من خلال (حما حما) ان هذه الفئة ليست مذنبة بقدر ما هي ضحية لاوضاع اجتماعية ونفسية هشة". وفجر (كاستينج) قضية اطفال الشوارع التي ظلت ظاهرة مسكوتاً عنها لعدة سنوات رغم خطورتها. وقال (حما حما) الذي تحول الى نجم ل (رويترز) انه اصبح محل حظوة اينما حل، وانه يحلم بان يكون له مستقبل مشرق يعوض به الحرمان الذي عاشه. ويضيف "هم (منتجو المسلسل) يعطوني المال ويعلموني ويصطحبوني الى جولات في المقاهي احيانا.. انا سعيد جدا ورفاقي فرحون لما اصبحت عليه لكني لن اعود الى الشوارع مستقبلا". وعبّر حما حما الذي اصبح نموذجا لاقرانه ممن مازالوا يجوبون الشوارع عن أمله في ان يتغير حال اصدقائه مثلما تغير حاله هو. وتغير نسق حياة هذا الفتى تماما منذ ان اختاره الفهري للمشاركة في مسلسل كاستينج. وأقامت شركة (كاكتيس) المنتجة للمسلسل مكتبا خاصا بحما حما بضاحية البحيرة الراقية بالعاصمة، يتابع فيه هذا الفتى دروسا تعليمية يعطيها اياه استاذ خاص، اضافة الى حصص لمتابعة حالته النفسية يؤمنها طبيب نفسي. كما اصبح لحما حما على غرار كبار النجوم سائق شخصي ينقله يوميا الى حيث يشاء. وفي الاسابيع الاخيرة تركت عائلة حما حما المكونة من ثمانية افراد بيتها الصغير المتهالك لتنتقل الى منزل جديد بحي ابن سينا، اضافة الى تمتعه بأجر شهري من شركة انتاج المسلسل. ولا تتوافر في تونس ارقام دقيقة عن اطفال الشوارع، لكن علماء الاجتماع يحذرون من ان غض الطرف عن هذه الفئة قد يزيد من ارتفاع معدلات الجريمة. ويأمل العديد من اطفال الشوارع ان يكون طريقهم مشابها لرفيق الامس حما حما الاوفر حظا، وان يجدوا بدورهم من ينتشلهم من ضياع وتشرد ذاقوا عذابه وسئموا مرارته.