بدايةً ولكي لا يظن القارئ أني أقصد بهذا المقال القصير الدفاعَ عن القنوات الإسلامية، أو أني مخدوع أرى فيها عين الكمال، فالقنوات الإسلامية في عمومها لم تصل بعد إلى ميدان المنافسة المحموم، وليس سبب ذلك توجهها وتقيّدها بالضوابط الشرعية على تساهل فيها فما دخلها القصور والضعف والرتابة إلا من جهة ضعفها من حيث المهارة والصنعة الإعلامية، ومن جهة ضعف مواردها المالية، وكأنما لسان حالها يقول: الجود من الموجود. وهي على تكاثرها هذه الأيام تكرر نفسها، ليس بينها من فروق إلا الأسماء ورقم التردد إلا بضع قنوات، وأكثرها لا تعدو أن تكون (إذاعة مرئية)، ولو اختارت البث الإذاعي لكان أهون عليها وأوفر لمالها، فخطابها الإعلامي خطابي تقليدي مباشر، وبرامجها مكررة، ونقل الصورة لا يضيف جديداً، ولو استغنيت بالصوت عن الصورة لما كان بين الحالين من كبير فرق. ولكنها على تواضع إمكاناتها، وقلة خبرتها، وبساطة برامجها؛ أراها قد نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وهذا الشعور قد لا تحسه من خلال متابعتك لها, لكنك ستحسّه حتماً من خلال ما تقرأه من مقالات كتّابٍ قد طارت نفوسهم شَعاعاً من تلك القنوات التي يسموّنها إسلاموية حزبية مؤدلجة! حين تستقرئ تلك المقالات المرتعبة من تلكم القنوات تجد فيها كل شيء إلا النقد الهادف والاستدراك الصحيح، وما عساك أن تجد في مقالاتٍ محشورة بألفاظ السخرية والاستهزاء والإقصاء والتهم المعلبة من ظلامية وطالبانية ورجعية وذكورية وهمجية وإرهابية... إلخ؛ إلا شعور الخوف والقلق والرعب المأسور بها كاتبها. ممارسة النقد على أصوله ومنهجه عمل حضاري ونضج ثقافي فكري بلا شك، فإذا انقلب سِباباً وسخرية وشماتة وتُهماً لا تقوم على منهج الاستدلال السليم, فهو وجه آخر من وجوه التخلف والهمجية والظلامية يقع فيها من يتهم غيره بها؛ وإلا فما معنى أن تجاوز في نقدك عالمَ الأفكار إلى عالم الأشخاص، وتشخصن النقد بطريقة فجَّة يتعالى عليها كل تنويريٍ حضاري؟! ما معنى أن تسخر من الرجل الذي أزعجتك إطلالته في شاشة القناة الفضائية، ومن طريقته وأدائه وشخصيته؟ ألا فلا تلم السامع حين يبحث عن فكرة يناقشها في نقدك فلا يجد شيئاً يستحق الوقوف. وليس مطلوباً منك أن تحترم وجهة نظر المخالف وأفكاره, لكن لا أقل من أن تحترم شخصه لإنسانيته. ومن لم يكن حضارياً في نقده، فلن يُنتظر منه أي مشروع حضاري يستحق الإشادة، وسيصبح مجرد "ظاهرة صوتية" في باب الشماتة والسخرية واحتقار العقول والوصاية على الآخرين.