إنّ حقَّ الملكية من أوسع الحقوق نطاقًا، وتنازُلُ الفرد عن ملكيته إما أن يكون بعوض أو من دون عوض، فعندما يكون هذا التنازل بدون عوض يسمّى هبة، فما هي إذًا الهبة؟ الهبة هي: تمليك المال في الحال، وقيل أيضًا: تمليك المال بلا عوض حال حياة المالك. إن الله -سبحانه وتعالى- شرَّع الهبة لما لها من نشر المحبة والمودة والتعاون بين الناس، وعليه فقد وُضِع لها شروطٌ يجب أن تكون عليها حتى تكون الهبة وفقًا لنظام مُتَّبع ومعلوم، فيشترط في كلٍّ من الواهب والموهوب له أن يكون بالغًا وعاقلًا وقاصدًا، وأما الموهوب فيُشترط فيه أن يكون عينًا إضافةً إلى قبض الموهوب له الهبة، فإذا تمَّ القبض تصبح لازمة ولا يكون للواهب الرجوع في هبته فيما عدا الأب فله أن يرجع في هبته لأنه ذكر استثناءً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يحلُّ لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده”، وبعض الناس قد لا يرجع في الهبة لكنه يُبطِلُ ثوابَها بالمنّة، والمنّة تبطل الثواب كما قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى). أما هبة الأب لأبنائه فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”؛ فدلَّ ذلك على أنه لا يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطايا و الهبات، أو تخصيص بعضهم بها، فكلُّهم أبناؤه وعليه أن يعدل بينهم فيقسم بين أولاده على قدر إرثهم. نقول: الهبة تُملَكُ بالقبض ويَحِلُّ شرعًا لمن وهبت له أن يتصرّف فيها بعد القبض بإذن الواهب ولا يُشترط توثيقها ولا الإشهاد عليها، وهذا من حيث الجواز الشرعي فيما بين العبد وربه، وأما من حيث القضاء فإنه إذا كان معلومًا أنها ملك لشخص فلا يسلّم القضاء بأنها لآخر يدّعي أنها وُهبت له إلا ببيّنةٍ شرعية لأنّ الأصل أنها باقية لمن كان معلومًا أنها ملكه، والبيّنة إما أن تكون بشهادة عدلين وإما بإقرار الوارث وإما بتوثيق ذلك في الجهات المختصة. ختامًا؛ نبيُّنا الكريم جاء ليتمّم مكارم الأخلاق ويؤصّل فينا حبَّ البذل والعطف والعطاء، فقد جاء في حديث أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان الرسول يقبل الهدية، ويثيب عليها” لما للهبة من أثر يقع في نفوس الناس، فتهادُوا تحابُّوا.