قد يستغرب البعض أن يكون لأزمة “كورونا” التي تعيشها معظم دول العالم جوانب إيجابية، لكن ومن خلال متابعة دقيقة لكيفية تعامل الأجهزة المختصة في بلادنا أجد أن ما حدث من إجراءات حكومية، وما ظهر من وعي لدى المواطنين يحمل كثيرا من الإيجابيات. ولو تحدثنا بالتفصيل وركزنا على لغة التفاؤل التي افتقدناها طويلا حينما اتجه بعض الإعلاميين والكتاب إلى إبراز السلبيات في ركض لاهث وراء الشهرة الزائفة، أقول لو تحدثنا بالتفصيل عن إيجابيات أزمة “كورونا” لوجدنا أن الإجراءات الحكومية كانت حازمة وشاملة، وأظهرت مقدرة الأجهزة الحكومية كل في اختصاصه على اتخاذ الخطوات الاستباقية المطلوبة بكل مهنية وشفافية. ولنبدأ بوزارة الصحة التي تعد خط الدفاع الأول، حيث أظهرت مقدرة على التحرك السريع لمحاصرة المرض على الرغم من عملها بصمت خلال الفترة الماضية ومن كمية النقد الذي وجه لها من الإعلام ومن المواطن العادي، وكان بعض النقد بناء وساعد على علاج كثير من التقصير، بينما البعض الآخر من النقد لا يستند إلى حقائق من الواقع، وإنما على الشائعات التي هي أخطر في الحقيقة من أي مرض. ومن الجوانب الإيجابية في أزمة “كورونا” أنها جعلت الشرفاء يقدرون الجهود المخلصة ويتجاهلون الشائعات التي تكمن خطورتها في إعاقة خروج المجتمعات من أزماتها، وأتصور أن الشائعات لن يكون لها مكان في مجتمعنا بعد الآن. ولو نظرنا إلى وزارة التعليم ووزارة الاتصالات وتحركهما في مجال التعليم عن بعد لوجدنا جاهزية لم نكن نتوقعها، حيث لم تتعطل الدراسة أو الامتحانات بعد تعليق الدراسة في المدارس، وشاركت الأسرة كاملة في متابعة تحصيل أبنائها من خلال الاتصال الإلكتروني، والمعروف أن التعليم عن بعد وسيلة تعليمية حديثة تعتمد على اختلاف المكان وبعد المسافة بين المتعلم والمعلم للتغلب على الظروف الصعبة، وقد ظهرت هذه الفكرة في نهايات السبعينيات الميلادية بواسطة الجامعات الأوروبية والأمريكية، ما يدل على أن بلادنا تأخذ دائما بما هو حديث في جميع المجالات مهما كانت التكاليف، وفي هذا الصدد نذكر إنجاز المعاملات إلكترونيا، سواء ما يتعلق بخدمات وزارة الداخلية بجميع فروعها، أو وزارة العدل ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وغيرها من الجهات ذات العلاقة بتقديم الخدمات للمواطن. حتى في القطاع الخاص هناك البنوك وشركات الاتصالات، وقد سجلنا تقدما في هذه الخدمات حتى على بعض الدول الأوروبية، وظهرت فوائد هذا التقدم مع إجراءات مكافحة “كورونا” التي تتطلب العمل من المنزل للحصول على الخدمات. ولعل تعليق السفر ومنع إقامة حفلات الزواج وغيرها تزرع فينا ثقافة الترشيد التي نحتاجها كثيرا. وقبل الختام لا بد من الإشادة بوعي المواطن السعودي واتباعه التعليمات بكل دقة حفاظا على الصحة العامة. وأخيرا: إجراءات وقف رحلات الطيران مع عديد من الدول التي ظهر فيها وباء “كورونا” وسرعة تسيير 61 رحلة طيران خلال يومين لنقل المواطنين من ست دول موبوءة إجراء يستحق الإعجاب، كما أن وقف العمرة والزيارة حفاظا على صحة المسلمين القادمين من أنحاء العالم قوبل بالتفهم من الجميع، وقوبلت الإجراءات السعودية عموما بالإشادة من المنظمات الصحية العالمية. ويبقى أن نشكر الله ثم نشكر قيادتنا على هذه الخطوات الحازمة، التي نفخر بها وليكن التفاؤل أسلوبنا وإظهار الإيجابيات في كل جوانب حياتنا منهجا نصل به ومعه إلى تجاوز كل الأزمات. نقلا عن (الاقتصادية)