الصحة هي الهم الأول للإنسان، ولذا فأول ما يسأل عنه المتصافحان.. كيف الصحة.. وهي أيضا الهم الأول للحكومات في البلدان، التي تهتم قيادتها بمواطنيها.. وبلادنا مثال على ذلك.. وحينما أمر الملك سعود بن عبدالعزيز بإنشاء مستشفى الشميسي في الرياض قبل أكثر من 60 عاما، طلب أن يكون المستشفى مماثلا لبعض المستشفيات العالمية من حيث المساحة والتصميم، وهكذا وجدت تلك المدينة الطبية، التي ما زالت مضربا للمثل من حيث المباني (التي تم توسعتها فيما بعد)، ومن حيث التجهيزات والأطباء والكوادر الفنية، بل كانت وما زالت تلك المدينة، التي أصبحت تسمى “مجمع الملك سعود الطبي” تخرج القيادات الطبية السعودية.. فمعظم وزراء الصحة تخرجوا في هذا الصرح الطبي العريق، وأصر بعضهم على إبقاء عيادته تعمل حتى ولو ليوم واحد في الأسبوع، وهو على رأس وزارة الصحة لكي يبقى قريبا من تخصصه ومن مرضاه ثم استمر اهتمام ملوك هذه البلاد بقطاع الصحة إلى يومنا هذا، حيث نتابع تنفيذ «رؤية 2030»، التي تمنحها القيادة، ممثلة في الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان أقصى درجات الاهتمام، نجد القطاع الصحي في قلب “الرؤية” من خلال أهداف استراتيجية أولها تسهيل الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية للمواطنين والمقيمين عبر توفير الأسرة الكافية والطواقم الطبية في المستشفيات والقدرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية للأفراد ويركز الهدف الاستراتيجي الثاني على تحسين جودة وكفاءة الخدمات عن طريق تقليل الأخطاء الطبية وفعالية العلاج وقياس تجربة المستفيدين. ويعالج الهدف الاستراتيجي الثالث الصحة الوقائية العامة ونشر الوعي للحد من التعرض للأمراض، ويتناول الهدف الاستراتيجي الرابع السلامة المرورية للحد من الوفيات والإصابات في الحوادث.. وانطلاقا من هذه الأهداف الاستراتيجية ل”الرؤية” تنفذ برامج التحول الصحي، التي تقوم على تطوير الرعاية الصحية الأولية، لتكون بوابة الأمان للمرضى ودعم نماذج الرعاية خارج المستشفى، وتأسيس شركة وطنية للتأمين الصحي، ومضاعفة مشاركة القطاع الخاص، ودعم توطين تصنيع الأدوية والأجهزة الطبية.. وهناك جانب مهم، وهو رفع مستوى الحوكمة عن طريق الإشراف والتنظيم ورسم السياسات الصحية والرقابة المستمرة.. ويبقى بعد ذلك تعزيز جودة أعداد القوى العاملة، وهذا معناه التركيز على الكفاءات السعودية وإعدادها في شتى التخصصات الطبية.. ومن هنا لا بد من الإشادة بقرار وزير العمل والتنمية الاجتماعية بالشراكة مع وزارة الصحة الصادر الأسبوع الماضي والقاضي بتوطين تدريجي لجميع مهن طب الأسنان بنسبة 25 في المائة لهذا العام ثم 30 في المائة للعام المقبل.. وهذه الخطوة ستعطي أطباء الأسنان السعوديين فرصة البروز، كما برز الطبيب السعودي في تخصصات أخرى كالجراحة وأمراض القلب والعيون وغيرها من التخصصات.. ويقول الدكتور توفيق الربيعة، وزير الصحة “إن تحقيق الأهداف المرحلية، التي يعمل عليها برنامج التحول الوطني سيكون أكثر يسرا وفاعلية من حيث التنفيذ وأعلى سرعة من حيث الإنجاز إذا تبنى مسؤولو وزارة الصحة بمستوياتهم كافة هذه الأهداف وعملوا بجد لتحقيقها وإخراجها على أرض الواقع لتضمن للوطن والأجيال حياة صحية مزدهرة تسودها السلامة والصحة”. وأخيرا: المواطن سيتابع معه تنفيذ مستهدفات برامج وزارة الصحة.. والمؤمل أن يكون التوزيع الجغرافي للخدمات الطبية شاملا للمدن والمحافظات، ولو على سبيل الزيارات للاستشاريين بحيث لا تتركز الخدمات المتطورة في المدن الكبيرة فقط، لأن في ذلك مشقة على المواطن للانتقال إليها وزيادة الضغط على المراكز الطبية في المدن، وبالتالي تباعد مواعيد الخدمات بشكل يؤثر في المرضى ويؤخر شفاءهم. علي الشدي