بحديثه الأخير عن السعودية، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجددًا أنه مجرد رجل أعمال كبير قادته الظروف إلى المكتب البيضاوي، دون أن تكون لديه لا خبرة ولا ذكاء في التعامل مع القضايا المهمة أو الدول الكبرى. كالعادة؛ وجد الرئيس الأمريكي نفسه وسط حشد انتخابي في ولاية فرجينيا، فقرر أن يخاطب عواطف الناس بالحديث عن ضرورة الاستفادة بتحالفات بلاده الخارجية من أجل تحقيق عوائد اقتصادية، مساويًا بذلك بين العلاقات الدولية و المشروعات العقارية التي يملك فيها رصيدًا كبيرًا ، باعتباره صاحب واحدة من الشركات العملاقة في هذا المجال. قال ترامب إنه يحب السعودية ويقدر قيادتها، لكنه استطرد ليشير إلى أنه طلب من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ثمنًا للدعم الذي توفره بلاده للمملكة، مسببًا بذلك حرجًا غير مسبوق للدبلوماسية الأمريكية التي تعرف يقينًا أن العلاقة مع الرياض لا تقدر بثمن، وأن هناك أسسًا للاحترام التاريخي المتبادل بين الدولتين، لا يمكن لأحد أن يتجاوزها إلا إذا كان فاقدًا للتمييز والقدرة على رؤية الحقائق. كان ترامب يتحدث مرتجلًا، وربما كان ذلك هو السبب الرئيس في سقطته التي طالت أيضًا كلًا من كوريا واليابان. ومؤكد أنه لو أتيح لأحد من خبراء السياسة العاملين في البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية أن يوقف الرجل عن الكلام لفعل، حتى يحمي الولاياتالمتحدة من الظهور في صورة الدولة التي تبتز حلفائها، بدلًا من العمل على توثيق علاقتها بهم، في ظل الأخطار التي تتهدد الجميع. صحيح أن ترامب سبق له أن أتى على نفس الموضوع خلال حملته للفوز بالرئاسة في عام 2016، لكنه عاد لاحقًا وتراجع – بالفعل والقول- عن كل ما ذكره بحق السعودية، التي لازالت تحرص وبإخلاص على المساهمة الفاعلة في مواجهة المخاطر التي يتعرض لها الأمن العالمي، بما في ذلك الأمن الأمريكي، ولو كان بين الحضور شخص واحد يملك المعرفة والجرأة لذًكر ترامب بتلك الحقائق، ثم لزاد عليها درسًا في ضرورة احترام الأخرين، وعدم المزايدة السياسية بقضايا يجهلها الناخب الأمريكي المشغول دائمًا بشؤونه المحلية. لقد أراد ترامب أن يحقق مكسبًا انتخابيًا بمطالبة السعودية بثمن ما سماه “الحماية الأمريكية”، فارتد السهم إليه، بعدما بات هدفا للساخرين حول العالم، فضلًا عن خصومه داخل الولاياتالمتحدة، وبعضهم – للمفارقة – أعضاء في إدارته، يرفضون طريقة عمله ويروون فيها تهديدا للمصالح العليا للبلاد، بينما يعتبرونه شخصيًا خطرًا على الشعب الأمريكي يجب حصاره، قبل أن يدمر جسور التواصل مع العالم. هؤلاء جميعًا يعلمون أن قوة السعودية مستمدة ، قبل كل شيء، من مكانتها في العالمين العربي والإسلامي، ومن دورها الواسع في مختلف الدوائر العالمية، كما أن وجودها ونهضتها يرتبط بالتلاحم بين شعبها وقيادته في مختلف العصور، وليس لأي دولة خارجية فضل في ذلك ولا دور. كما يعلم هؤلاء – على الأقل بحكم التجارب القريبة – أن حاجة الولاياتالمتحدة للمملكة، تفوق ما تقدمه لها. لكل ذلك، لن يكون مدهشًا لي أن يأتي الرد الأقوى على سخافات الرئيس الأمريكي، أو بالأدق عملاق العقارات الشهير” ضد السعودية من داخل الولاياتالمتحدة، بل ربما من قلب العقار الذي يقطنه حالًيًا؛ البيت الأبيض. طارق إبراهيم