أظهرت نتائج نشرة سوق العمل للربع الرابع لعام 2017، الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء استقرار معدل البطالة عند مستواه المرتفع والأعلى منذ النصف الأول لعام 1999، مستقرا بنهاية العام عند 12.8 في المائة (723.2 ألف متعطل)، مقارنة بالربع الثالث من العام نفسه (745.1 ألف متعطل)، إلا أنها أظهرت ارتفاعا سنويا في المعدل مقارنة بالربع الرابع من عام 2016، الذي بلغ معدل البطالة بنهايته 12.4 في المائة (725.7 ألف متعطل). وجاء الارتفاع السنوي في معدل البطالة على الرغم من ارتفاع توظيف المواطنين والمواطنات وفقا لنشرة هيئة الإحصاء خلال 2017 بأعلى من 102.4 ألف عامل (38.5 ألف عامل من الذكور، 64.0 ألف عاملة من الإناث)، وانخفاض أعداد العمالة الوافدة في سوق العمل المحلية خلال العام نفسه بنحو 575.4 ألف عامل "انخفاض 580.6 ألف عامل من الذكور الوافدين، ارتفاع 5.2 ألف عاملة من الإناث الوافدات". إنها التطورات التي تمت على أرض الواقع في سوق العمل المحلية، التي تؤكد أنه على الرغم من اندفاع برامج التوطين بسرعة أكبر، خاصة خلال النصف الثاني من العام الماضي، ونجاحها في زيادة توفير فرص العمل أمام المواطنين والمواطنات بأعلى من 102.4 ألف وظيفة، إلا أن معدل البطالة تفوق في منظوره السنوي على كل تلك البرامج، مسجلا ارتفاعه من 12.4 في المائة بنهاية 2016 إلى نحو 12.8 في المائة بنهاية 2017، ما يقتضي بالضرورة القصوى زيادة فعالية برامج التوطين في جوانب منها، وابتكار برامج للتوطين تكون أكثر فاعلية وكفاءة، خاصة تلك البرامج المرتبطة بضرورة توطين المستويات الإدارية العليا والتنفيذية في منشآت القطاع الخاص، وهي المستويات الممسكة بصناعة القرار في المنشآت، إضافة إلى توسيع دائرة برامج التوطين المرتبطة بنوعية الوظائف والمهن، التي يفترض أن تستهدف الوظائف الملائمة للباحثين عن عمل من المواطنين والمواطنات (1.1 مليون باحث وباحثة عن عمل من المواطنين والمواطنات بنهاية 2017)، من حيث الدخل والمؤهلات العلمية والخبرات اللازمة، التي قد تحقق لها النجاة من قبضة برامج التوطين السابقة، وظلت في منأى عن تلك البرامج، لتستمر شاغرة بمئات الآلاف من العمالة الوافدة. لقد نجحت وزارة العمل في تحقيق معدلات توطين أسرع وأفضل عبر برامج التوطين المخصصة، التي ركزت آلياتها على استهداف قطاعات ونشاطات بعينها، والأمثلة على ذلك معلومة لدى الجميع، وعلى الرغم مما قد يظنه بعضهم من ترتب بعض الآثار العكسية لبرامج التوطين الموجهة، إلا أنها تظل آثارا قصيرة الأجل، سرعان ما تعمل السوق المحلية على امتصاصها، والأهم من ذلك أنها تعد آثارا أدنى بكثير من الآثار الأكبر التي نتجت عن برامج نطاقات، التي كان من أهم المآخذ عليها، عدم تفرقتها بين طبيعة النشاطات الاقتصادية، وإغفالها أولويات التوظيف لدى الباحثين عن عمل وفقا لمؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العملية، ما أفضى لاحقا إلى انتشار "التوظيف الوهمي" بين صفوف المواطنين، عدا أن برامج نطاقات تسببت خلال فترات زمنية مضت في زيادة الاستقدام، نتيجة منحه الضوء الأخضر لمنشآت القطاع الخاص بزيادة الاستقدام، مكافأة لها على دخولها النطاق الأخضر، في الوقت ذاته الذي كان للتوظيف الوهمي الدور الأكبر في الدفع بتلك المنشآت لدخول نطاقها الأخضر، وكل هذا لم ينعكس بأي نتائج ملموسة ذات قيمة حقيقية على خفض معدلات البطالة بين المواطنين والمواطنات. يتشكل الطريق البديل في الوقت الراهن لبرامج نطاقات، من عدد من الركائز الرئيسة، لعل من أبرزها وأهمها: (1) ضرورة وضع برامج خاصة لتوطين (الوظائف القيادية والتنفيذية العليا) في منشآت القطاع الخاص، التي شهدت طوال فترة تطبيق برامج التوطين الأخيرة، زيادة سيطرة العمالة الوافدة على تلك المناصب القيادية والتنفيذية من 10.4 في المائة بداية الفترة التي تجاوزت 40.5 في المائة نهاية الفترة، وتكمن أهمية تسليط اهتمام وتركيز وزارة العمل على هذه المناصب تحديدا؛ كونها المستويات الوظيفية التي تستحوذ على صنع القرار في منشآت القطاع الخاص، وكونها أيضا المستويات الأعلى دخلا مقارنة بغيرها من المستويات الوظيفية الأدنى تأثيرا ودخلا. ما يعني بدوره ضآلة وضعف إمكانية إنجاح أية سياسات أو برامج للتوطين، في ظل توسع تلك السيطرة للوافدين على قرارات القطاع الخاص، بل لقد تحولت تلك السيطرة المتزايدة للوافدين على المناصب التنفيذية والقيادية في القطاع، إلى عامل إفشال حقيقي لأية برامج للتوطين، ودليل ذلك قائم وفق الإحصاءات الرسمية، ولا حاجة إلى بذل جهود تذكر لأجل إثبات وجوده من عدمه! قياسا على ما أظهرته الإحصاءات من تراجع معدلات التوطين خلال العامين الأخيرين، مقابل زيادة الاستقدام وتوظيف العمالة الوافدة، وإفراط أغلب منشآت القطاع الخاص في الاعتماد على مواد نظام العمل الجديد (74، 75، 76، 77)، لإنهاء عقود العمالة الوطنية تحت ذريعة تقلص الإيرادات والمبيعات. (2) التوسع في برامج التوطين المخصصة حسب القطاعات (كقطاع الاتصالات)، التي سيوفر العمل بها مرونة أكبر أمام وزارة العمل على مستوى سرعة التوطين، وسرعة القضاء على سيطرة العمالة الوافدة في تلك القطاعات القابلة للتوطين بالكامل خلال فترة وجيزة. ويؤمل أن يأتي تركيز وزارة العمل في هذا الخصوص على القطاعات الأكثر جاذبية والأعلى دخلا لدى العمالة الوطنية، وأغلبها يتركز في نشاط الخدمات (تجارة الجملة والمطاعم والفنادق، والنقل والاتصالات والتخزين، وخدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال، وخدمات جماعية وشخصية، ومنتجي الخدمات الحكومية)، حيث لم يتجاوز معدل التوطين في هذا النشاط بنهاية عام 2016 نسبة 22.9 في المائة فقط (876.8 ألف عامل سعودي)، مقابل توظيف أكثر من 2.94 مليون عامل وافد في هذا النشاط، ما يؤكد هنا أن وضع برامج مخصصة للتوطين، تتسم بسرعة أكبر مقارنة ببقية برامج التوطين، كفيل بالوصول بها إلى 50 في المائة أن تمتص كل الباحثين عن فرص عمل من المواطنين والمواطنات، أخذا في الاعتبار أن تقترن ببرامج مكثفة للتدريب والتأهيل، التي يمكن تمويلها من متحصلات تلك الرسوم على العمالة الوافدة. (3) تأسيس منظومة متكاملة إلكترونية متطورة، للتواصل المستمر بين كل من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ومديري الموارد البشرية والتوظيف (سعودي الجنسية) في منشآت القطاع الخاص، والبدء في المرحلة الأولى بالمنشآت العملاقة والكبيرة والمتوسطة، ولاحقا يمكن إضافة مديري الموارد البشرية في المنشآت الصغيرة والأصغر، على أن الحاجة في الوقت الراهن قد لا تستدعي إضافة المنشآت الأقل من المتوسطة لمنظومة التواصل، ذلك أن نجاحها سيكون كافيا جدا في تحقيق الغرض من إيجادها. المواجهة مع تحدي البطالة لن تتوقف عند حد معين، ولا عند درجة نجاح محددة، بل لا بد من استمرار ضخ أكبر قدر ممكن فيها من الجهود والموارد والإجراءات، خاصة أن الهدف المنشود بنهاية أقل من ثلاثة أعوام مقبلة، هو خفض معدل البطالة إلى ما دون 7.0 في المائة، وهو المعدل البعيد جدا عن مستوياته الراهنة. والله ولي التوفيق. عبد الحميد العمري (الاقتصادية)