الاجتماع العربي بالقاهرة: نرفض تهجير الفلسطينيين    محافظ الأحساء يرعى انطلاق ملتقى المدن الأعضاء في شبكة المدن المبدعة    صادرات الخدمات في الاتحاد الأوروبي تصل إلى مستوى قياسي في 2023م    الشباب يضم كامارا من ستاد رين    شتوية النصر باردة    ختام بطولة الأمير عبدالعزيز بن سعد الدولية للبوميرنج    الفتح يعلن التعاقد مع لاعب خط الوسط زيدو يوسف حتى 2028    إحباط تهريب (522) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    «الحج» تشدّد على التعاقد مع الملّاك السعوديين لإسكان ضيوف الرحمن    غرامات مقترحة على «مطاعم التسمم».. 30,000 ريال عن كل متضرر    الجمعية السعودية للقبالة تطلق مؤتمرها الدولي السنوي الثالث    نيمار يواجه ميسي في «القمة اللاتينية»    «الأمن البيئي»: 100 ألف ريال عقوبة إتلاف مسيجات المحميات    بيئة عسير يدشن مهرجان الدخن الثاني ببارق    بعد رسوم الجمارك.. أسهم «وول ستريت» تنخفض    خروج 50 مصاباً فلسطينياً للعلاج في مصر عبر معبر رفح    خيرية هيلة العبودي تدعم برنامج حلقات القرآن بالشيحية    هلال القصيم الاحمر يؤهل الكوادر التعليمية في الإسعافات الأولية    "سلمان للإغاثة" يدشّن مشروع توزيع مواد إيوائية وحقائب شتوية في باكستان لعام 2025م    «أمل عسير» تُطلق «اسمعني» وتوزع 42 سماعة طبية ل21 مستفيداً    تحطّم طائرة ركاب صغيرة في مدينة فيلادلفيا الأمريكية    المراعي تفوز بجائزة "أفضل رئيس تنفيذي للمنشآت العملاقة" وجائزة "التوطين" ضمن النسخة الرابعة من جائزة العمل    الداخلية : ضبط (21564) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    «هبوط اضطراري» يكشف مخدرات «ملكة جمال»    «نزاهة» تحقق مع 396 موظفاً في 8 وزارات بتهم فساد    أمطار على المناطق الجنوبية ومرتفعات مكة    كيف نعى عبد الرحمن بن مساعد و«السامر» الأمير محمد بن فهد ؟    معرض يجمع أربعة فنانين من منطقة عسير يقدمون تجارب بصرية مغايرة    محمد عبده يكشف ل«عكاظ» عن عمل «مكبله» جديد    آخر رسالة من «الطويان»: «شكراً لوطني.. شكراً لوطني.. شكراً لوطني»    "فيتش" تؤكد التصنيف الائتماني للمملكة عند A+    تتويج الفائزين في النسخة الخامسة من جوائز الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية    أسد يلتهم حارسه في حديقة حيوان الفيوم    م. الزايدي يوجه بفتح مكتب للخدمات البلدية في "مركزية" الطائف    إنفاذًا لتوجيه سمو ولي العهد تلزم طلاب المدارس الثانوي بالتقيد بالزي الوطني.    الحسن بن رزق يقدّم ابتكارًا جديدًا في عالم الابتكارات الصحية    أقامت وزارة الشؤون الإسلامية محاضرة علمية لضيوف الدفعة الثالثة    أمانة القصيم توقع عقد مشروع سفلتة أحياء بمدينة بريدة    موسى يحصل على دبلوم إدارة الأعمال    ممثل رئيس الإمارات يقدم واجب العزاء في وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز    ال «FIFA» يزود الهلاليين بكرة المونديال    بين «العقيد» و «حمدالله» لقب تاريخي    الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تقيم ملتقى مراكز ضيافة الأطفال الأهلية في جازان لعام 2025    انتهاء فترة الانتقالات الشتوية للأندية    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    خطيب المسجد النبوي: ثقوا بربكم الرزاق الشافي الغني عن الخلق فهو المدبر لأموركم    دور برنامج خادم الحرمين الشريفين في إثراء تجربة المستضافين في ندوة بمكة اليوم    هل سمعت يوماً عن شاي الكمبوتشا؟    دهون خفيّة تهدد بالموت.. احذرها!    رابطة العالم الإسلامي تعزي في ضحايا حادثة اصطدام الطائرتين في واشنطن    هل تنجح قرارات ترمب الحالية رغم المعارضات    نيابة عن أمير قطر.. محمد آل ثاني يقدم العزاء في وفاة محمد بن فهد    مصحف «تبيان للصم» وسامي المغلوث يفوزان بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    تجمع القصيم الصحي يفوز بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    "مفوض الإفتاء بمنطقة حائل":يلقي عدة محاضرات ولقاءات لمنسوبي وزارة الدفاع    عشر سنبلات خضر زاهيات    خطورة الاستهانة بالقليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوهر الإنسان… عَبَدة الموت وعشاق الحياة
نشر في عناوين يوم 24 - 02 - 2018

يوم 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1978 صُدمت الولايات المتحدة بفاجعة غير مسبوقة: 912 من الرجال والنساء والأطفال ينتحرون جماعياً في دقائق قليلة.
في مزرعة في غويانا، تجمّع المئات من الأميركيين تحت قيادة شخص يُدعى جيم جونز.
شخصية مضطربة التكوين والتطور والسلوك. أسس سنة 1956 ما سماه «معبد الشعب». تنقل بين المسيحية والشيوعية. دعا إلى التحرر وانعتاق الإنسان من كل شيء بما في ذلك الأديان. رفع شعارات ضد التمييز العنصري وللدعوة إلى المساواة بين الناس. بدأ بترويج أفكاره بين الفقراء والمحبطين من السود والبيض. منذ البداية، جعل من ذاته محور أفكاره التي حوّلها إلى معتقد يذوب فيه الجميع. عمل بكثافة سحرية وسط مريديه، حتى تمكن من تحقيق الولاء الكامل له. يقول فيصدّقون، يأمر فيطيعون. كتلة قطيع تتحرك وراء جونز الطاغية الروحي العجيب. نجح في أن يبطل قدرة التفكير والنقاش عند جميع التابعين له. ادّعى في البداية أنه المسيح، وأحياناً يقول: إنه لينين الثاني، وصل إلى أن قال لأتباعه إنه (الله).
رحل بهم إلى «غويانا»، حيث أقام قرية أطلق عليها اسمه، وفي وسطها بنى ما سماه «معبد الشعب». تجمع في القرية شيوخ وعجائز وأطفال. يحدّثهم عبر مكبرات الصوت ليلاً ونهاراً، وعلى الجميع الاستماع له في صمت. كانت حياة الجميع مستنقعاً حقيقياً للبؤس والمرض والجوع والرهبة. الخوف المتعدد الألوان، مما هم فيه ومن ذاك المخلوق المرعب الذي يقودهم من وهم إلى مجهول لا يعرفون ما هو. انتشرت أخبار القرية المرعبة في أرجاء الولايات المتحدة. غامر السيناتور ليو ريان وسافر إلى غويانا، دخل قرية جونز في محاولة لإنقاذ من يمكن إنقاذه من الأشخاص التابعين لدائرته الانتخابية، لكنه عندما حاول مغادرة القرية صحبة مَن قرر المغادرة معه قُتل قبل إقلاع الطائرة. خطب جونز في حشد التابعين قائلاً إن القوات الأميركية قادمة وستقتل الجميع. قدم لهم براميل ملأها بسم السيانيد وأمرهم بشربها، كانت أكبر عرس انتحار جماعي. طرحت تلك الحادثة مئات من الأسئلة، حاول علماء النفس ورجال الدين والساسة الإجابة عنها. السؤال العام كان: كيف استطاع شخص مشوّه مخبول أن يحوّل المئات من البشر إلى قطيع مخدَّر، يتحرك وراءه مستسلماً طائعاً إلى حد قتل أنفسهم جماعياً طوعاً؟!
كانت الأسئلة والدراسات متعددة بحجم الكارثة. عاد الدارسون إلى عدد من الأبحاث القديمة والحديثة التي غاصت في أعماق النفس البشرية، وحللت جوهر الإنسان في تمظهر قوته وضعفه. معادلة الموت والحياة.
الفيلسوف الألماني إيريك فروم، من رموز مدرسة فراكفورت، قدم العديد من الدراسات والأبحاث في الفلسفة وعلم النفس. خاض في جيولوجيا النفس البشرية وتعمق في مسيرة التاريخ، ملاحقاً أفعال الأشخاص والجماعات. كتابه «جوهر الإنسان»، محطة دراسية تلقي حِزَماً من الأضواء على الداخل البشري، العنف بكل ألوانه وعلى نقيضه الحب والحياة وعشقها. لماذا يتحول الإنسان إلى أداة للقتل والعنف إلى حدّ يقوم بقتل ذاته من أجل أن يقتل الآخرين؟ أو أن يتحول الموت إلى لذة طاغية يمارسها إنسان ضد نفسه منتحراً كما حدث مراراً عبر التاريخ في مشاهد فردية أو جماعية؟
إيريك فروم يقول: إن البيوفيليا هي حب الحياة تقابلها النكروفيليا وهي حب الموت. يحفر في المركّب الكيميائي النفسي للذات البشرية عبر التاريخ والفلسفة والدراسات السريرية.
حب الحياة هو أساس الوجود والتطور البشري، وتعايش الناس في مجموعات بشرية متنوعة متعددة الأعراق والثقافات والسلوك. يقول فروم في كتابه المشار إليه: «يعد الميل للحفاظ على الحياة والقتال ضد الموت، الشكل الأكثر أساسية للميل البيوفيلي، وهو شائع في كل المادة الحية. وبقدرٍ ما هو ميل للحفاظ على الحياة، وصراع ضد الموت». حب الحياة متجذر في تكوين البشر. البناء المتواصل الذي يشيده الإنسان كل يوم في جميع أنحاء العالم. العقول التي تفكر وتبحث وتقدم الاختراعات العلمية في الطب والفيزياء والكيمياء. المبدعون في الفن والأدب. الزواج بين الذكر والأنثى الذي يعطي قوة التكاثر للحياة البشرية، كل ذلك يؤكد أن حب الحياة هو القاعدة الأساسية السوية لجوهر الإنسان وسلوكه.
النكروفيليا… حب الموت وعبادة الفناء والعنف والتدمير، نتوء في البنية النفسية الإنسانية، يفعل فعله أحياناً على المستوى الفردي، وقد يتجاوز ذلك إلى ساحات الجماعة، لكن الفرد هو القداحة النفسية المشوهة التي تشعل نار الخلل في الذات الشخصية وتتسع دائرة ثأثيرها في آخرين. يقول فروم: «إن الشخص ذا التوجه النكروفيلي هو شخص منجذب نحو كل ما ليس حياً، كل ما هو ميت، الجثث، التحلل، البراز، القذارة، ومفتون به». النكروفيليون هم من يحبون التحدث عن المرض، عن الدفن، وعن الموت.
ويعد هتلر مثالاً واضحاً للنمط النكروفيلي. لقد كان مفتوناً بالتدمير، ورائحة الموت كانت عذبة بالنسبة إليه. وفي حين بدا في سنوات نجاحه أنه يريد فقط تدمير مَن اعتبرهم أعداءه، فقد بينت أيام غوتر داميرونغ في النهاية أن رضاه الأعمق هو في أن يشهد التدمير الكامل والكلي: تدمير الشعب الألماني، وتدمير من حوله، وتدمير نفسه. وقد جاء في تقرير من الحرب العالمية الأولى، وإن لم يتم إثباته، أن «جندياً رأى هتلر واقفاً في حالة نشوة، محدقاً في جثة متعفنة وغير راغب في الابتعاد عنها».
العنف الفردي والجماعي كتب صفحات في مجلد التاريخ البشري، ولكن يبقى السؤال اليوم: لماذا انتشرت ظاهرة أن يقتل إنسان نفسه منتحراً من أجل أن يقتل أكبر عدد من أناس لا يعرف أحداً منهم، لا عداوة بينه وبينهم؟
وكيف استسلم مئات الناس، بينهم متعلمون، أساتذة وطلبة ومهندسون، إلى شخصية مريضة مثل جيم جونز، يسيرون وراءه كالقطيع المروَّض التابع. ينقلهم من مكان إلى آخر دون اعتراض. ينفّذون أوامره دون همس، وصل بهم الاستسلام المريض أن يشربوا السم طائعين، يرحلون إلى الموت ويُرضعون أطفالهم من مائه قبل أن يدفعوه إلى أفواههم؟
طالب شاب يشتري بندقية آلية، ويتوجه إلى مدرسته ليقتل أكبر عدد من زملائه. هناك من يقول إنه يعاني من حالة جنون أو اضطرابات نفسية. هناك مجانين يعبّرون عن جنونهم بالرقص أو الغناء أو الركض.
النكروفيليا أو عبادة الموت، يبدو أنها نتوء مرضي كامن تحت تربة التكوين النفسي البشري، تعرّيه رياح التغيير والقفزات المتنوعة التي يشهدها العالم، تجعل أفراداً وجماعات يتلذذون بقتل الآخر، ولو كانت الأداة قتل أنفسهم.
عبد الرحمن شلقم
(نقلاً عن الشرق الأوسط)
الوسوم
الإنسان الحياة الموت جوهر عَبَدة عشاق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.