في بلد كمصر أشاهد عَرَضاً مستشفيات ومراكز رعاية اجتماعية ودور رعاية وجمعيات خيرية تحمل شعارات مؤسسات أهلية وبنوك. ذات الأمر يمكن مشاهدته في بلد عريق كسوريا، فالبنوك والمؤسسات التجارية الأهلية تقوم بدور إلزامي تجاه مجتمعاتها المحلية. لكنني في وطننا العزيز لا أرى هذه المؤسسات التجارية الضخمة، وخاصة البنوك، إلا من خلال وسائل الإعلام حين تعلن ميزانياتها ربع السنوية ونصف السنوية الخ!. سبقتنا بعض الدول العربية بكثير من المراحل في فهم العمل التطوعي داخل المجتمع، وكذا تقرير آليات متفق عليها بشكل علني، أو حتى ضمني، من أجل إلزام المؤسسات التجارية والبنوك بخدمة المجتمع والمساهمة في مدّ يد العون لفئاته المحتاجة، أما على مستوى العالم فإن مؤسسات التجارة والبنوك تمتد مساهماتها لتشمل مراكز البحث العلمي وكذلك المساهمة في المناسبات الاجتماعية العامة فضلاً عن المساهمة في مساعدة مجتمعاتها أثناء الكوارث الطبيعية بتحمل بعض الأعباء بدلاً عن الدولة. كل هذه المؤسسات التجارية والبنوك، في غالبية دول العالم، تؤدي دورها تجاه مجتمعاتها مع أنها ليست معفاة من سداد ما عليها من ضرائب للدول، بينما تعمل بنوكنا في الداخل على امتصاص دم المواطن من خلال قروضها التي تمتد لسنين عديدة دون أن تدفع مقابل ذلك أي رسم ضريبي للدولة، وهي، أي بنوكنا، مستفيدة بشكل أساسي من بعض التسهيلات الاستثمارية التي تقدمها الدولة. نعم، لا ضرائب، ولا منغصات، وبالتالي لا وجود لأي عمل تطوعي أو ملزم ولو من الناحية الاجتماعية لهذه المؤسسات التجارية أو البنوك تجاه مجتمع أثرت على حسابه. حتى أن مجتمعنا يمتاز بسمتين تجعله صيداً مميزاً لهذه البنوك عن الآخرين، أولاهما أننا شعب لا يأخذ فائدة على مدخراته في البنوك، ما جعل البنوك تعلن عن مليارات الأرباح سنوياً مقابل خسائر بعض بنوك العالم خاصة في العامين المنصرمين، وثاني خصوصيتنا المجتمعية هي أن بنوكنا ابتدعت نظام تمويل شخصي لأفراد المجتمع يستمد قواعده وتشريعاته من خلال الفتاوى الشرعية وكان هذا النظام استجابة لرغبات مجتمع متدين، وهو رغم ذلك أكثر إنصافاً للبنوك من المقترضين، وأكثر "فائدة" من الأنظمة المتبعة في بقية بنوك الدنيا. فضلاً عن كون هذه القروض هي الأكثر أمناً على مستوى العالم لأنها تعمل بطريقة "المقاصة" في وطن جلّ أبنائه من موظفي القطاع العام!. لقد كانت بنوكنا ومؤسساتنا التجارية هي الغائب الأبرز عن ساحة العمل التطوعي داخل مجتمع تستغله في ظل نظام اقتصادي متسامح، فعلى سبيل المثال وفي أيام كارثة جدة لم أر مؤسسة تجارية ضخمة ولا حتى أيا من بنوكنا، يساهم في العمل التطوعي، وحق لها ذلك، فقد تعلم التجار في مدينة تجارية كمدينة جدة وفي بلد كالسعودية أن التطوع لا يخصهم، وأنهم ليسوا ملزمين تجاه مجتمعهم إلا من خلال استغلاله، كما نشأت أموالهم على مبدأ أن أي مساهمة مجتمعية هي مجرد "صدقة"، وأن أي مطالبة بأن تقوم هذه المؤسسات بدورها تجاه مجتمعاتها ليس أكثر من "استجداء" لا يُعوَّلُ عليه!. (حامد بن عقيل)