لايوجد حتى الآن وعي كامل وعميق للعمل الخيري الذي بدا مغيباً عن ثقافة المستثمرين من رجال الأعمال، والذين تتجه مشاريعهم نحو التجارة ومبدأ الربح والخسارة، وكأن ثقافة المساهمات والتعاضد الإنساني بعيدة عن أفكارهم الاستثمارية، فاللوم والعتب ينصب في المقام الأول على الجهات الرسمية التي لم تستطع أن تضع المزيد من الحلول والمبادرات إذا ما أدرك رجال الأعمال المسئولية الملقاة عليهم من التحرك تجاه العمل الخيري كهدف إنساني يخدم الوطن والمواطن، ذلك ماذهب إليه بعض خبراء الاقتصاد والمهتمين بالشأن الاستثماري والذين يؤكدون بأن تخاذل بعض القطاعات الخاصة من الشركات والبنوك وكذلك رجال الأعمال لايتحمل كامل مسئوليته "المستثمرون" فقط، بل جزء من المسئولية ملقاة على الجهات المعنية التي لم تبادر إلى "سياسة الإلزام" ووضع الخطط المدروسة التي لاتخضع "لمزاجية" المستثمر، بل تجبره على المبادرة كما تجبره على الضرائب وغيرها، في حين ينتقد البعض "رجال الأعمال" الذين تتوقف أعمالهم عند جني الأرباح من مشاريعهم الاستثمارية دون التفكير فيما يخدم الوطن والمواطن على الرغم من أنها سياسة متبعة في غالبية دول العالم والتي يوجد من خلالها من المستثمرين من يتبرعون بالمليارات لأعمال مفيدة للوطن. التجاوب مع الأعمال التطوعية يدعو أستاذ التسويق بكلية إدارة الأعمال بجدة والكاتب الاقتصادي د.عبد الرحمن الصنيع بسرعة مبادرة رجال الأعمال في الأعمال التطوعية التي تخدم الوطن، خاصة وأن من الملاحظ أن رجال الأعمال يحملون اعتقاداً سائداً بأنهم "مظلومون" وبأنهم بحاجة دائماً للدعم، لذلك على الجهات الرسمية التدخل في تحفيز رجال الأعمال على مثل تلك المبادرات كأن تقوم وزارة التجارة بتوزيع لوائح تنص على إلزام رجال الأعمال بالمبادرة والمشاركة في تفعيل الأعمال الحية التي تخدم الوطن، وأن تكون تلك الأنظمة إلزامية تنشر على جميع المستويات خاصة، وتعلن في وسائل الإعلام، كما يجب أن يكون هناك من الجهات الرسمية حوافز تقدم لكل رجل أعمال يقدم ذلك النوع من المبادرة ويعلن عن مبادرته كنوع من التشجيع أو تكرم شركة من الشركات حتى تكون نموذجاً يحتذى به في الخدمة الاجتماعية، كالقيام بإقامة الحدائق المطورة المجانية للمواطن. الجوانب الضيقة للعمل يشير الباحث في شؤون القطاع الثالث د.محمد عبدا لله السلومي بأن المهام الإنسانية والأعمال الخيرية وفق الدولة الحديثة تدخل تحت ما يسمى القطاع الثالث، وهذا القطاع يسمى القطاع غير الحكومي، كما يسمى القطاع غير الربحي وهو بهذه التسميات قطاع مستقل كما تسميه الأممالمتحدة، وهذا يعني أنه مستقل عن الحكومة (القطاع الأول) لكنه مرتبط بالدولة ودستورها، وهو أيضاً مستقل عن القطاع التجاري (القطاع الثاني) فمهام هذا القطاع الثالث كقطاع بمفاهيم إدارية وتنموية لايوجد مع الأسف في العالم العربي والإسلامي إلا بمفاهيم مختزلة في جوانب الفقر والطوارئ، فهذا القطاع تقع عليه مسئووليات كبيرة في جوانب التنمية الاجتماعية والانسانية والعلمية والمعرفية والصحية وغيرها من جوانب التنمية، ويتحمل القطاع الحكومي والقطاع التجاري على حد سواء مسئوولية النهوض بهذا العمل النبيل ليصل إلى مستوى الشراكة العملية للقطاعين في جميع جوانب التنمية، حيث تتحمل المؤسسات الحكومية كل الجوانب القانونية والتنظيمية الداعمة له معنوياً بوضعه في موقعه العالمي الصحيح كقطاع اعتباري، إضافة إلى دعمه بمنحه جميع حقوقه من فعاليات التبرعات وموارد الزكاة وموارد الأوقاف، كما أن القطاع التجاري وهو قطاع المال والأعمال مطالب هو الآخر بدعم هذا القطاع من خلال تشجيع إقامة المشروعات التنموية الخيرية وغير الربحية في كل مجالات التنمية الشاملة والمستدامة، وكل قطاع من هذه القطاعات الثلاثة إذا تمتع بكامل شخصيته السيادية والاعتبارية وحصل على حقوقه وجب مطالبته بجميع الواجبات عليه لصالح الدولة والوطن، وبهذه المنظومة تتكامل الأدوار وتتضافر الجهود فيكون التعاون والتنسيق بين القطاعات واجبا شرعيا ومتطلبا وطنيا ولاخيار في غير ذلك. غياب دور البنوك ويجد المشرف والمستشار العام بمكتب الدراسات لتطوير العمران م.عبد الكريم أبوخضير بأنه لابد ألا يتم الاكتفاء بمبادرة رجال الأعمال في الأعمال التطوعية الخيرية التي تخدم الوطن والمواطن، بل لابد من التوجه إلى البنوك التي يلقى عليها اللوم الأول في عدم تقديم أي من تلك المبادرات، على الرغم أن البنوك حينما تعلن عن أرباحها فإنها تكون بمئات الملايين وقد تصل إلى المليارات، وفي مقابل ذلك تقدم الجهات الرسمية إعفاءها من جميع الضرائب المعمول فيها في جميع دول العالم، فالبنوك تقوم باستنزاف المواطن في أبسط تعاملاته البنكية فعلى سبيل المثال تقرضه ثم تلزمه بالفوائد الضخمة التي ترهقه دون أن يكون لذلك نتيجة، وحينما تلزم البنوك بتلك المبادرات فإنه سيكون هناك مبادرات ومساهمات فاعلة من رجال الأعمال، وفي النهاية إذا تركت تلك المبادرات على حسب مزاجية التاجر أو المستثمرأو البنوك فانها حتما ستكون ضعيفة وليس هناك حل سوى "أسلوب الإلزام" فالمملكة مقبلة على موجة شباب كبيرة وهؤلاء الشباب بحاجة إلى توفير السكن لهم ولا يعرفون أي الأبواب يطرقون، فالأراضي أسعارها في ازدياد ووصلت في المتاجرة بها إلى حدود غير معقولة، فالشاب حينما يعمل عشرين سنة لن يستطيع أن يفي بالتزامات الحياة والقروض من البنك سترهقه أكثر، فالحاجة إلى المبادرات بالشكل العشوائي المنتظر لن يجدي، بل لابد من إلزام جميع الجهات بما عليها من واجبات. التنسيق ضروري وتتفق معهم سيدة الأعمال نجاح السندي التي ترى بأن مبادرات رجال الأعمال في الأعمال الخيرية ضعيفة، وربما ذلك يأتي من البطء في المبادرات الناتجة من الجهات الرسمية ذاتها، إلا أن ذلك ليس بعذر لتخاذل سيدات الأعمال ورجال الأعمال، بل لابد أن يكون هناك تنسيق للقيام باجتماعات مدروسة بين رجال الأعمال وبين الجهات الرسمية في وضع خطة للمبادرات كأن يكون على الجهات المعنية تقديم الأراضي وتوزيعها ومن ثم يقوم رجال الأعمال والمستثمرون بالبناء وإعداد المشاريع الخيرية، فالعمل الخيري لن يقوم بمساهمات فردية، بل لابد من المساهمات الجماعية التي تخدم المواطن كبناء المعاهد والمستشفيات والمساكن وبذلك يتحقق الهدف المنشود ويأخذ كل على عاتقه مسئوليته.