إثر الكارثة التي شهدتها العروس – المنكوبة جدة، أم الغرق والبلل الشهر الماضي، يتنامى الحديث غير المسبوق في المشهد السعودي عن الفساد، ليشمل هذا الجهاز العتيد الصموت، ديوان المراقبة العامة، فنطق أخيرا ربما مرغما غاضبا من بعض الجهات الحكومية، كاشفا عن مخالفات وتجاوزات خلال عمليات المراجعة والتدقيق من خلال: صرف عدد من الجهات الحكومية مبالغ دون وجه حق أو الالتزام بها دون سند نظامي، وضعف تعاون عدد من الجهات مع الديوان وعدم تجاوبها في معالجة المخالفات والتجاوزات المتكررة وفق الأنظمة المرعية، وتأخر تنفيذ عديد من المشروعات الحيوية وتعثر بعضها وتدني جودة التنفيذ، وذلك نتيجة لضعف المتابعة الجادة والتراخي في تطبيق أحكام عقود تلك المشروعات، وضعف الرقابة الداخلية الوقائية في كثير من الأجهزة الحكومية التنفيذية، وضعف تحصيل بعض إيرادات الخزانة العامة وتوريدها في المواعيد المقررة لذلك، وعدم تقيد عدد من الأجهزة الحكومية بالأنظمة المالية وتعليمات تنفيذ الميزانية العامة وإعداد الحسابات الختامية ورفعها في المواعيد المحددة نظاماً، وضعف أداء بعض الشركات التي تساهم فيها الدولة واستمرار تكبدها خسائر كبيرة. هذه (البلاوي) لم يسبق لديوان المراقبة أن تحدث عنها في تقاريره السنوية، وحجبها عن الإعلام، بل عن المواطن طيلة السنوات الماضية. ولعل من إيجابيات المأساة في جدة أن تحرك ديوان المراقبة وبيّن (بعض) ما كان يجب أن يبينه للرأي العام، فهذا جزء من مسؤولياته .. مشكلة بعض القطاعات الحكومية أنها لا ترى أي التزام أدبي أو مسؤولية وطنية تجاه المواطن، وهذا خلل كبير في فهم مسؤولية القطاع العام، وبخاصة ديوان المراقبة العامة، فهو عين الدولة وعين المواطن على ثروات البلاد، ولا مكان للمجاملة، والتغطية على الانحرافات والفساد في الأجهزة الحكومية .. على الأقل يمتلك الديوان هذه الورقة الحمراء التي يجب عليه رفعها حين يصدر تقريره السنوي أمام كل الفاسدين والمقصرين. بقيت أمنية صغيرة وهي كبيرة، لو حققها الديوان، وهي تسمية الجهات المقصرة والفاسدة، فلغة (بعض) و(هناك) و(يوجد) هي كل ما يتمناه المقصر والفاسد، وليس من العدل أن نجمع الشرفاء الوطنيين المخلصين مع الفاسدين والمقصرين.