كنت قد كتبت مقالا نشرته صحيفة عكاظ قبل عدة سنوات، تناولتُ فيه حال كثير من سكان «محافظة جدة» مع النوم، وارتفاع احتمال إصابتهم باضطرابات نوم مع موسم هطول الأمطار وما يصاحبها من فواجع خلّفتها الأمطار والسيول، فبعضهم لا تغمض لهم جفون، وقد عاشوا وشاهدوا غرقى، ودورًا مهدمة، وسيارات محطمة، فكان من الطبيعي أن يعاني بعضهم من «فوبيا الأمطار» ونوبات الهلع، وما يرتبط بها من اضطرابات نوم، وقلق وتوتر مزعجين. من المنطقي القول: إن الرعب الناتج عن صدمات كوارث السيول، قد يسبب اضطرابات عضوية ونفسية وسلوكية تشبه إلى حد كبير تلك التي تنتج عن التعرض لمآسي الحروب والحوادث شبه المميتة، وفي هذه الحالات، يُعد النوم من أهم الوظائف الحيوية وأشدها تأثرًا، حيث يعاني كثيرون من الأرق الحاد، وصعوبة الاستغراق في النوم العميق، والتململ أثناء النوم، والحرمان الطوعي أو القهري منه، نتيجة انقطاع سُبلهم، وفقدانهم ممتلكاتهم، وخوفهم على حياتهم وأفراد أُسرهم، وتعطّل مصالحهم وأعمالهم، وتأجيل مشروعاتهم المهمة، مما يتسبب في كآبة وضجر وحزن عام، فضلا عن زيادة الضجيج من حولهم، وإفراطهم في التفاعل مع قنوات التواصل الاجتماعي التي تنشر الأخبار والآراء والانتقادات والشكاوى بشكل مرهق أحيانًا، لتظهر ما يمكن أن يُسمى «اضطرابات النوم البيئية والإلكترونية». ونتيجة للمرور بتجربة السيول الجارفة المفاجئة وما تسببه من حالات احتجاز ورعب، يُصاب كثيرون بالتوتر الحاد وحالات الهلع والهواجس، واضطرابات الجهاز الهضمي، ويكثر لدى النساء والأطفال بشكل خاص الخوف المَرَضي (فوبيا)، والكوابيس الليلية، إضافة إلى التبول اللاإرادي، والكلام وصرير الأسنان خلال النوم، ويعاني كثيرون من اختلال أوقات النوم والاستيقاظ بشكل معاكس، وفرط الخمول والإرهاق أثناء النهار، إضافة إلى اضطرابات الشهية والإفراط في التدخين وتناول المنبهات، وإساءة استخدام الأدوية المساعدة على النوم، مما قد يضاعف من مشكلات النوم لديهم. وقد ينتهي الحال ببعض المتضررين بعد الكارثة، إلى الإصابة باضطرابات نوم مزمنة كالأرق السلوكي المزمن المكتسب، أو حتى اضطرابات المزاج كالاكتئاب والإحباط الشديد، مما يجعل من الضروري أولا العمل على تفادي تكرار مثل هذه الحوادث البيئية الكبيرة، بشتى الوسائل الإدارية والتنظيمية والتقنية والبيئية المتاحة، وتنفيذ مشروعات بحلول دائمة تراعي الدقة والمهنية وأرواح البشر وممتلكاتهم، ووضع خطط إدارة كوارث مُحكمة، تُنفذ بطرق علمية ومدروسة، تتدرب عليها كل القطاعات المعنية، لتحذير السكان أو إجلائهم قبل وقوع الكارثة، والتخفيف من آثارها السلبية بتأجيل الدراسة في وقت مناسب، والاستفادة من المتخصصين لتوفير وسائل التقييم والدعم الصحي والنفسي للمتضررين، وعلاجهم بوسائل معرفية سلوكية، ومتابعة استجابتهم للعلاجات وتحسن أدائهم السلوكي، واللجوء في بعض الحالات إلى الأدوية المهدئة والمنومة لوقت محدود، أو مضادات الاكتئاب تحت إشراف أطباء متخصصين. د.أيمن بدر كريم نقلا عن "المدينة"