أعلن «ساهر» حزنه واستياءه من تواطؤ السعوديين غير الأخلاقي على تحذير بعضهم من مواقع الكاميرا المترصدة لهم، ما يحرمه من مكاسب المخالفات، حتى أن بعض كاميراته تمضي عليها ثلاثة أيام من دون أن تومض فرحاً بمبلغ انتقل من جيب السائق إلى خزانتها. يضع «ساهر» باستمرار إحدى سياراته على طريق الملك فهد في الرياض، لكنها لا تحصد مخالفات لأن الاتفاق السعودي على كراهيته يجعل أول من يكشف موقعه السري يحذّر السائقين خلفه من المصيدة باستخدام الإشارات التحذيرية، فيعبر الجميع مصيدته بسلام، وما إن يتجاوزوه حتى يعودوا إلى ممارسة هواياتهم في السرعة. أما الكاميرات الثابتة والمتحركة على الطرق السريعة فإن السائقين على الجهة المقابلة يضيئون أنوار سياراتهم لتحذير المقبلين على المصيدة من الوقوع فيها لتعود شبكتها خالية من كل صيد. ما يغيظ الشركة أن السائقين لا يلتزمون الأنظمة ولا يلتزمون حدود السرعة، لكنهم حين يوازونها يغلب عليهم أدب فريد ويسيرون بوداعة وهدوء وسط حيرة وغيظ الكاميرا ومشغّلها، وهم لا يكتفون بذلك بل نشروا حسابات ترشد متابعيها إلى مواقع الكاميرات ليحذروها. منذ محمد عبده وماجد عبدالله لم يتفّق السعوديون على شيء مثل كراهية «ساهر»، ليس لأنه ضابط للممارسات المرورية للشارع، بل لأنه يتعمّد المخاتلة والخداع وسوء النية في اصطياد المخالفين وليس تحذيرهم من السرعة وأخطارها وضمان حقوق المستخدمين الآخرين للطريق. يحاول «ساهر» التمويه على المسافرين عبر ممارسات «درباوية»، فسيارته تقف إلى جانب الطريق وترفع غطاء المحرك كأنها متعطلة حتى لا يشك السائق في أمرها، وتختبئ خلف الجسور وكل مرتفع يحجب رؤيتها حتى لا تتمكّن الفريسة من الفرار، لكن العين الأخرى المعاكسة لها تكشف سترها فتفضح أمرها. الشركة المشغّلة، وفق «الوطن» تحاول تطوير أساليب مصائدها عبر استخدام أنواع جديدة من السيارات لا تثير ريبة الضحايا. ولعلها تفكّر في وضع مصائد متتابعة لأن السائق ما إن يتجاوزها حتى يسرع مرة أخرى فيقع في المصيدة التالية بسهولة، ولو استخدمت هذه الطريقة لفرضت التزاماً حقيقياً بالنظام، لأن استمرار الخوف يوقف التهور والسرعة. في بداية ظهور الكاميرات كانت لا تتوقف عن الوميض كأنها ألعاب نارية، وكان الصيد وفيراً إلى أن بدأ النزف يرهق الجيوب، فاتّحد السائقون ضدّها واجتمعوا على محاربتها لأن طرائقها المريبة ولّدت رد فعل عكسي صنع حال عداء مستمرة بين الطرفين. يبدو أن الشركة تختلف مع «المرور» في الغاية من وجودها، فهي تبحث عن الربح أساساً ربما لأن عقدها كان رهاناً مفتوحاً بأنها ستحصد المكاسب بوفرة استناداً إلى اعتياد السعوديين السرعة وقطع الإشارات، لكنهم خذلوها وتلاعبوا بها وأوقعوها في خسائر لم تكن في الحسبان. «ساهر» الحزين يعدّ نفسه لخطة معاكسة تستعيد مواسم الصيد الوفير، فهل تنجح في ذلك أم أن السائقين سيبتكرون شفرة تحذيرية جديدة تعيده إلى حال الغضب والمزيد من التذمّر والخسائر؟ جاسر الجاسر نقلا عن "الحياة"