رحم الله والد الدكتور كساب العتيبي. كساب ينتمي إلى فئة المعارضين مثل سعد الفقيه ومحمد المسعري وعلي آل أحمد وحمزة الحسن وغيرهم من فئات كانت المعارضة عند بعضهم مثل الأنفلونزا تختفي بانتهاء أعراضها وعند بعضهم حالة مزمنة. كل هذا لا يهم، لأن المعارضة حال طبيعية تعبر عن الاختلاف والتباين إن احتفظت بمعاييرها الأخلاقية، وعبّرت عن قناعاتها بمنطق متماسك بعيداً من حالات التعدي والشتائم كما هو متوقع من ساكني لندن الذين يفترض بهم تعلم أخلاقيات أهلها ما يفرقهم عن معارضة تسكن القاهرة أيام جمال عبدالناصر، أو تستقر في بغداد زمن صدام، أو تجّسد نزعات القذافي حيث تعلو لغة الشتائم والتعريض والاتهامات العشوائية. السعودية ليست كاملة النقاء، بل لها عيوبها كأية دولة أخرى، لكن لم يسبق لها أن استهدفت تصفية أي معارض لها كما هو مسلك دول في المنطقة، بل كانت تفتح لهم باب العودة الآمنة إن أرادوا. سعد الفقيه شقيق النابغة جراح القلب محمد الفقيه وطبيب الأمير سلطان بن عبدالعزيز في الوقت الذي كان أخوه يحرّض على الثورة ونسف البلد، ومع ذلك تلقى عروضاً كثيرة إن رغب في العودة، كذلك المسعري وعلي وحمزة الحسن الذي عاد في التسعينات مع الشيخ حسن الصفار والدكتور توفيق السيف قبل أن يقرر استئناف المعارضة. علي آل أحمد يحضر النشاطات السعودية في واشنطن ولا يزال، ويجالس المسؤولين والإعلاميين من دون أي توجيه باجتنابه أو عدم الحديث معه. عبدالرحمن منيف، وفق روايات متواترة، عرض عليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز (الأمير حينها) في إحدى زياراته إلى دمشق العودة إلى المملكة بضمانته الشخصية إلا أنه رفض أو تردد خوفاً من الخداع استناداً إلى تجارب أنظمة عربية كثيرة، ويروى أن الملك أجّل إقلاع طائرته انتظاراً لوصول منيف الذي قرر في النهاية البقاء في ظل النظام البعثي بحثاً عن ديموقراطية ضائعة. كل هؤلاء لم يمس أهلهم سوء أو يتعرضوا إلى المضايقة، ولم تستخدمهم الحكومة ورقة ضغط لإعادة المعارضين أو على الأقل إرهابهم، بل كان الفصل التام بين المعارض وذويه حتى لكأن لا وشائج أسرية تنتظمهم كما هو الحال مع أسر المتورطين في الإرهاب الذين هم أشد خطراً وأكثر دموية، كما أن الدولة لم تطلب من البلدان العربية والخليجية، وهي قادرة، عدم استقبالهم. باستثناء سعد الفقيه في أولى مراحله حين كانت «الصحوة» تسانده، وترتجي تأثيره، وتروّج له، فإن الجميع لم يكن لهم أثر يذكر، ولعل كثراً من السعوديين لا يعرفون بوجودهم إلا حين تستضيفهم بعض القنوات في حالات التوتر السياسي للغمز من قناة السعودية واتهامها بالعنف والقمع والجبروت باعتبارهم أدوات مرحلية تخدم أغراضهم. كساب، مثلاً، هاجم الأمير محمد بن نايف شخصياً بلغة غير لائقة ومبادرة الأمير في رعاية أبيه ليست استدراجاً لكساب أو إغواء له، بل لأن الأب مواطن أصيل يستحق الرعاية والاهتمام، ولعل كساباً لو طلب حضور العزاء لناله، ثم عاد ليواصل معارضته. موقف الوزير هو امتداد لسياسة ثابتة وليس تخوفاً من أي معارض فكساب، مثلاً، لا يشكل فارقاً في المعادلة السياسية منذ انشقاقه الأول، ولا تأثير له في أي مجال، وبإمكانه التمتع بمزايا الجنسية البريطانية مع أن سبب خروجه هو استدعاء القوات الأجنبية كما يعترف في أحد حواراته. أظن السعودية تفرح بهذه المعارضة فهي دلالة قوتها وصلابتها ولو لم توجد لتوجّب صناعتها، فكيف إذا جاءت طوعاً، فهل يرفض أحد نعمة عظمى؟ جاسر الجاسر نقلا عن "الحياة"