مهرجان الأحساء للتمور ولعلنا نضيف «الأول» كان علامة فارقة بالفعل، فهو لم يبع تمراً فقط بل قدم قبسات عن الأحساء ذات الاقتصاد المحلي المتنوع. كنت أتحدث قبل سنوات طويلة مع عم لي عن معيشتهم سابقاً، فوصف لي كيف كانت بسيطة، لكنهم كانوا يزرعون ويصنعون كل ما يحتاجون لممارسة حياتهم البسيطة تلك، بل أنهم أبدعوا وأجادوا فيما زرعوا وصنعوا؛ فكانت تمور الحسا هي الأجود والأغزر انتاجاً، وكانت البشوت الأحسائية الأفضل قاطبة دون منازع. لكن جرى على الأحساء ما جرى على مجتمعنا من اتساع الاعتماد على العمالة الوافدة، والرغبة في التوسع التجاري وزيادة الانتاج باستقدام المزيد من العمالة، ما أدى إلى إزاحة بعضنا بعضاً، ففضل شبابنا الوظائف ذات الراتب إن تنويع اقتصادنا الوطني لن يحدث صدفة، ولن يحدث فقط بمبادرات صناعية بحتة كما حدث في الجبيل وينبع، بل يحدث كذلك بإحياء وتقوية الاقتصاد المحلي في كل منطقة ومحافظة ومدينة وقرية وهجرة، لتبدع كل حاضرة فيما تجيد الشهري، وأهملنا النخيل بل حولنا عن إصرار الكثير من المزارع إلى عمارات واستراحات تؤجر باليوم وسمينا ذلك «سياحة زراعية». أما الصناعات التقليدية فقد أصبحت هامشية، فانخراط الأبناء فيها محدود. الآن، ومع إنطلاقة مهرجان الأحساء للتمور فلعل بورصة التمور في الأحساء تسعى لتنافس جودة وسعراً ومبيعات، وليس في ذلك غضاضة ففي بلادنا العزيزة فِرق رياضية تتنافس لتستقطب وتملأ الدنيا تعليقاً ونقاشاً لا ينتهي، فلابأس أن تتنافس كل البقع الزراعية لتنتج أفضل أنواع التمور وتصدرها وتصنعها فذلك يعني إنتاجاً ومنفعة للوطن وأهله على أكثر من صعيد. بل أن إنطلاقة مهرجان التمور قد تؤدي ليتبعه مهرجان للمنسوجات التقليدية فقد كانت الأحساء مقصد الحضر والبادية في النسيج؛ أي نعم بطرق تقليدية، لكن كانت المهن المتعلقة بالغزل والحياكة متجذرة، أما صناعة المشالح الرجالية والنسائية التي كان مصدرها الأحساء فكانت هي اللباس الأفخم والأبهى لأصحاب الشأن والجاه تفوقت في تلك الصناعة على عواصم الخليج العربي كافة والعراق والشام، ثم تركناها نزولاً عند الرغبة في التوسع للوافدين، لكن هيهات أن يجيدوا كما أجاد السابقون، بالأمس عرض علي أحد الأقارب «مشلحاً نجفياً» يقدر عمره بما يزيد على ستين سنة على حد قوله، آية في الاتقان، فيه تطريز رائع بدقة مجهرية. أقول: إن تنويع اقتصادنا الوطني لن يحدث صدفة، ولن يحدث فقط بمبادرات صناعية بحتة كما حدث في الجبيل وينبع، بل يحدث كذلك بإحياء وتقوية الاقتصاد المحلي في كل منطقة ومحافظة ومدينة وقرية وهجرة، لتبدع كل حاضرة فيما تجيد، فذلك أدعى لازدهار تلك الحواضر وتوليدها الأعمال ودعمها للاقتصاد الوطني، ومع ذلك يبدو أن هناك من يعتقد أن التنوع الاقتصادي قد يحدث إذا ما كررنا الحديث عنه! ihsanbuhulaiga@ تويتر