أجمع عدد من المختصين على أن إنشاء محاكم متخصصة ل»تنفيذ الأحكام»، سيرسخ مبدأ العدل في البلاد بعد طول انتظار، مؤكدين أن هناك حالة من الاستياء العام بسبب تأجيل آلاف القضايا من اجتماعية وتجارية وعقارية وغيرها، مشيرين إلى أن التأجيل والبيروقراطية في انهاء الإجراءات، من شأنه أن يضيع الحقوق، ويهدر الأوقات. وقد أعلن القضاء السعودي أخيرا عن إنشاء محاكم متخصصة ل»تنفيذ الأحكام»، بهدف تنظيم آلية مناسبة لضمان الحقوق، فضلا عن تشكيل لجنة مشتركة لدراسة القضايا المتعثرة واعتمد مجلس القضاء لائحة لتنفيذ هذه المحاكم التي تختص بمهام كثيرة، منها تنفيذ الأحكام القضائية واجبة النفاذ والمصادقة عليها من محاكم الاستئناف، بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المحاكم تعطي صلاحيات التنفيذ الجبري والإشراف المباشر لقاضي التنفيذ بمعية معاونيه، وتطبيق الأحكام الواردة في نظام المرافعات الشرعية. ورصدت «اليوم» أصداء هذا القرار وأبعاده وتداعياته، عبر آراء بعض المعنيين والمتخصصين وأصحاب الرأي.. تحديث بيانات وقبل البدء كانت هذه القصة الواقعية التي يحكيها عمر الغامدي، التي وقعت في شهر ربيع الأول من عام 1431ه ويقول: «حينما اعطيت وكالة من احد الاقارب بالافراغ لعقار لابنه في احد احياء الدمام، وعند مراجعة كتابة العدل في الدمام بدأ موظف الحاسب الآلي بتسجيل الصك، ووجد ان بعض البيانات غير مكتملة في الصك، ولا يقبل الجهاز التسجيل إلا بها، فأفادني بمراجعة المحكمة لان الصك صادر منها عام 1391ه»، مضيفا «كانت بداية مسلسل المواعيد من ذلك الحين، حيث وجدت صعوبة في الدخول على رئيس المحكمة، والذي غالبا جلساته تبدأ الساعة 11 وبمجرد أذان الظهر تخلو جميع المكاتب، وتستمركذلك الى بعد صلاة الظهر بوقت متأخر». وتابع «لاحظت ان هناك بطئا في تعامل الموظفين مع المعاملات وعدم مراعاتهم لاوقات المراجعين، وان اسهل ما لديهم هو تأجيل الموعد الذي يستمر شهورا، كما يلاحظ جهامة الوجه من بعض الموظفين». ويكمل الغامدي «استمرت المراجعة في المحكمة بعد ان وجد الشيخ ان المساحة غير مذكورة في الصك، وتمت إحالة المعاملة للإدارة المختصة، وبعد مواعيد متكررة لمقابلة المساح، وتسجيل الطول والعرض، لم يكتب المساحة وبعدها تم حجز موعد لدى الشيخ، الذي أعادها مرة أخرى للادارة نفسها وبنفس الحجة السابقة، وليعود المساح من جديد ليكتب المساحة، لتصل الى الشيخ الذي يكتشف ان المساحة محسوبة بشكل خاطئ، ليعود المساح للعقار ويسجل مساحة الارض من جديد ويكتب المساحة بشكل صحيح والغريب انه يطلق عليه مهندس مساحة، ثم عادت المعاملة الى الشيخ ليجد خطأ آخر في رقم السجل المدني، وتم تحويلها للاحوال المدنية في الدمام، والموظفون هناك ابدوا عدم اختصاصهم للمعاملة، لأنها صادرة من احوال الرياض، وبقيت لديهم في الدمام قرابة شهرين لعمل اجراء بسيط وهو اعادتها للمحكمة». ويكمل الغامدي «بعد شهرين، عادت المعاملة للمحكمة، ثم تحولت الى احوال الرياض لتبقى هناك قرابة خمسة اشهر، لتعود الى المحكمة، ليكتشف الرئيس خطأ جديدا آخر في احد التواريخ، ويأمر بإعادتها الى أحوال الرياض، وتبقى هناك قرابة خمسة أشهر لحل الخلل البسيط!! ثم تعود الى رئيس المحكمة، وتبقى المعاملة حبيسة الادراج ما يقارب الشهرين دون ان يتخذ الموظفون أي اجراء تجاهها، ولو لم اكن أراجع باستمرار، لتعثرت المعاملة سنين طويلة وفي نهاية المطاف صادق الرئيس على صحة بيانات الصك، لتنتهي معاناة ثلاث سنوات ونصف السنة تقريبا، لتمضي كل هذه الاعوام في تحديث بيانات صك فقط، والغرابة كل الغرابة من بعض الموظفين الذين لا يعطون الامر ادنى درجات الاهتمام او المسؤولية ولا يراعون اوقات ومشاعر المراجعين». تأجيل الفصل في القضايا الأسرية والعقارية من أهم المعوقات التي تواجه المواطنين في المحاكم، ولا تخلو الصحف اليومية من نشر أخبار ذات صلة من خلال قضايا تغيب عنها وضع التشريعات. القضايا الأسرية ويرى الناشط الحقوقي هشام الحمود أن تأجيل الفصل في القضايا الأسرية والعقارية من أهم المعوقات التي تواجه المواطنين في المحاكم، وقال: «لا تخلو الصحف اليومية من نشر اخبار ذات صلة من خلال قضايا غاب عنها وضع التشريعات التي تتكفل بحفظ الحقوق لكافة الاطراف . تنفيذ الأحكام وقال الحمود: «اعتقد أن إنشاء محاكم متخصصة لتنفيذ الأحكام، خطوة تهدف إلى إنهاء تكدس القضايا في المحاكم، بقرار تشكيل لجان لدراسة القضايا، وبالتالي سيدفع بالقضاء إلى مراحل متقدمة، هو تطور جديد يضاف إلى القضاء، وأتمنى أن يسن نظام يتم به اقرار تسجيل المحاكمات داخل قاعات القضاء، حتى تكون من الأساسيات في النظام القضائي، بحيث يمكن إيجاد رقابة ثنائية تضمن عدم التجاوز. أعداد كبيرة وقال المحامي عويضة المنصور: «توجد اسباب كثيرة لتعثر البت في القضايا منها قلة عدد القضاة مع اعداد كبيرة وكثيرة من القضايا العالقة، أضف الى ذلك الروتين والبطء في الاجراءات القضائية، كل هذه العوامل ساعدت على تأخر البت في القضايا، كذلك القضايا العالقة والتدافع بين القضايا والحقوق، بلا شك ان هذا القرار ظاهرة صحية، وقد أصدر ليكمل المنظومة العدلية في المملكة، حتى تتوصل الى الحلول». وأضاف «من المتابع لقرارات القضاء أن هناك أنظمة مهمة صدرت خلال السنوات الأخيرة منها ما يتعلق بالمرافعات (نظام المرافعات)، ويبين هذا النظام آلية الترافع أمام القضاء وإجراءات نظر القضية وما يتعلق بها من إبلاغ وتداع وتقديم للبيانات وطلبات عاجلة وحقوق للمتداعين وكيفية صدور الأحكام والاعتراض عليها وتنفيذها». واشار المنصور إلى ان «هيكلة القضاء أفرزت القضايا العالقة في المحاكم التي منها قضايا المطالبات العامة والجنائية والتجارية والعقارية التي تقع تحت مظلة القضاء العام، وإذ نعول على القضاء بالاتجاه الى المحاكم التخصصية مثل العقارية ومحاكم المرور والمحاكم التجارية وغيرها من المحاكم التي تساعد على رفع المستوى القضائي، وهي بالتأكيد ستكون ظاهرة صحية في تطوير القضاء ويساعد على تسريع القضايا، ولكن ومن وجهة نظري انه يجب البحث عن اسباب تعثر القضايا، وذلك في منظومة القضاء، وتفعيل الآلية التي تعطي الصلاحيات للرفع من أداء القضاة وإدارة دفة القضاء في المملكة».
بسام فتيني
فتيني: عدالة القضاء حجر الزاوية والركيزة الأساسية للازدهار ويؤكد الكاتب الصحافي بسام فتيني أن عدالة القضاء في أي مكان وزمان هي حجر الزاوية والركيزة الاساسية لازدهار الدول ، وفي المملكة العربية السعودية لا أنظمة ولا قوانين ولا دستور إلا بكتاب الله وسنة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، ما ذكرته نظريا صحيح، لكن تبقى معضلة التطبيق، فالكثير يشتكي من تأخر القضايا وتطويل الإجراءات وغيرها الكثير الكثير. وتابع فتيني «أعتقد ان قرار تشكيل لجان دراسة القضايا المتعثرة طال انتظاره، وأتمنى أن نخرج من حيز اصدار القرارات إلى حيز التنفيذ والتطبيق، فالوضع غير مرض، وفيه هدر للجهد والوقت والمال كلما طال البت في القضايا». واستشهد فتيني بقوله «لعل من أبرز القضايا المتعثرة واكبرها كارثة سيول جدة وبعض المساهمات العقارية»، مشيرا إلى أن من «أهم اسباب تأخر القضايا هو عدم وجود نظام يقرر وجود سقف زمني يحدد به انهاء القضايا العالقة، وبالتالي لابد من استصدار نظام التشريعات القضائية، يقضي بانهاء أي قضية في زمن محدد يتم فيه تحديد انواع وفئات القضايا، ومن ثم تأطيرها في اطار زمني يتناسب وانهاءها، فمثلا قضايا الطلاق والنفقة والحضانة لا يجب تطويلها، وفي المقابل هناك القضايا ذات العلاقات المتشعبة مع جهات حكومية اخرى تتطلب الاستفسار والبحث والتحري، وبذلك يتم وضع حد أعلى وحد أدنى للسقف الزمني المطلوب لانهاء اي قضية داخل تنظيمها المناسب». وتابع «مشروع تطوير مرفق القضاء (عدل) الذي ضخت الاموال والمليارات من اجل تطويره، الى الان غير مرض، لكن مع استكمال الاجراءات وتسهيل بعض الانظمة، قد تتحرك العجلة للأمام، فالكثير لا يرضيه حال القضاء، والكثير يعلم أن هذه حقيقة، ولا يبقى إلا الاعتراف بهذه الحقيقة، حتى يتم العلاج ونطمع في أن نرى هذا المرفق في مزيد من العدل، لأننا بلد الحرمين الشريفين، ومن باب أولى أن نكون مضرب المثل في العدل».
د.سامي المنيفي
د. المنيفي: المجلس أدرك المشكلة وسعى إلى حلها قال المستشار القانوني الدكتور سامي المنيفي « تبدو لي خطوة جميلة في الاتجاه الصحيح، فالإقرار بوجود مشكلة هو الخطوة الاولى في علاج المشكلة! لكن علينا قبل الحكم على القرار أو اللجان أن ننتظر حتى تتبلور الصورة كاملة، فلم يتبين من القرار عدد اللجان أو تشكيلها وغير معلوم مشتركة مع من؟ وكيفية ومدة عملها وصلاحياتها وغيرها من الامور، ومن جانبي أقول يا حبذا لو ضمت نخبة من المحامين الممارسين، فالذين يتعاملون مع أي جهاز إداري أو سلطة أقدر على تلمس أوجه العيوب والقصور في الجهاز ممن هم بداخل الجهاز منذ سنوات، فالإنسان أقدر على رؤية عيوبه من خلال الاخرين، والفاروق رضي الله عنه يقول (رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي)، فالقاضي يملك أوسع الصلاحيات لإنجاز القضايا على مختلف أنواعها وتعقيدها، ولذا تجد نخبة من القضاة المتميزين الذين ينجزون القضايا التي تعرض عليهم . ففي رأيي هناك سببان رئيسان أحدهما يعود إلى الثنائية الفريدة الموجودة في بلادنا ابتدءاً من التعليم والتأهيل، فعندنا خلافا للدول الاخرى ازدواجية، فهناك كليات للشريعة وأخرى للحقوق. وتختلف مناهجهما كلياً عن بعضهم البعض، في حين أن اختيار القضاة يتم حصراً من المدرسة الأولى دون الأخرى، وخريج مدارس الشريعة يتلقى فقه المعاملات وهو جوهر عمل القاضي فقط في السنة الاخيرة من تعليمه، ولمعالجة هذا القصور في المنهج التعليمي فإنه بعد اختيار القاضي يتم إخضاعه لدروس قانونية مكثفة ومختصرة في المعهد العالي للقضاء لا تزيد عن سنتين، وهو ما يقابل أربع سنوات في كلية الحقوق، إلا أنه يلاحظ أن هذه الدروس للقاضي تأتي بعد تعيينه كقاض وليس قبل ذلك، مما يعني أن البعض يعتبره تحصيل حاصل، فمخرجات التعليم تنعكس قطعا على مخرجات القضاء، ولذلك فإن البعض يستشكل عليه الإحاطة بمفاهيم ومبادئ قانونية كالتفريق بين النص الآمر الذي لا يجوز مخالفته والنص الجوازي في النظام، أو ما يتعلق بمبادئ المرافعات والإجراءات أو المسؤولية أو أحكام الورقة التجارية وغيرها كثير، وينعكس هذا الضعف على استنباط الأحكام الصحيحة وفهم النصوص النظامية وتسبيب الأحكام والبت فيها» أما السبب الجوهري الآخر لتعثر القضايا فهو تعطيل نظام القضاء رغم صدوره بمرسوم ملكي منذ رمضان عام 1428 باعتباره نافذا منذ ذلك الحين أي منذ ست سنوات. إذ كان يفترض أن يكون عندنا ثلاث درجات للتقاضي ابتدائي واستئناف وعليا ولكن عملياً أخذ ببعض النظام وترك بعضه فلم ينفذ من هذا النظام سوى التغيير في مسميات المحاكم فقط. فبالرغم من تغيير مسمى محكمة التمييز مثلا الى استئناف الا أنه مازالت تعمل وفق النظام القديم فليس هناك مثلا أي مرافعات أمام محكمة الاستئناف بل ان بعض قضاة هذه المحاكم لديهم عزوف حتى عن مواجهة ومناقشة أطراف الخصومة رغم أهمية ذلك في الوصول للحقيقة والحكم. وسبب تعطيل النظام يرجع لصدور ما يسمى بآلية العمل التنفيذية لنظام القضاء التي صدرت بالتزامن مع نظام القضاء وهذة الآلية أعطت فسحة ومهلة من الوقت لتكييف وضع القضاء ليتوافق مع نظام القضاء وكان ينبغي الانتهاء من هذة المهلة بسرعة منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات تقريبا. واختتم المنيفي قائلا: ما يمكن أن يفهم من القرار هو إدراك المجلس لوجود مشكلة وانه يسعى الى حلها. أما عن إنشاء محاكم مختلفة كالمحاكم العقارية فأنا لست من أنصار التعدد في إنشاء المحاكم وتعدد الاختصاصات فأرى أنه لا يستثنى من القضاء العام الا في حدود ضيقة كما في مختلف المنظومات العدلية في الدول الاخرى. فليست من انصار تعدد اللجان ذات الاختصاصات المختلفة. واعتقد أنه لو فُعل «نظام القضاء» الصادر منذ 1428حقاً لقضى على كثير من أوجه القصور والمشاكل في القضاء. الحقيقة ان مشروع تطوير مرفق القضاء ينطق بشعور ولاة الامر بأن مرفق القضاء فعلا بحاجة الى التطوير. أما عن المبالغ الفعلية التي ضحت من أجل تطويره فلم أطلع عليها.