يعيش الإنسان في ساحتين من ساحات المنافسة , ساحة الدنيا والتي قد تضيق على كثير من الناس , ويحصل فيها من المخالفات, والهموم, والظلم , وارتكاب المحرمات , والكذب والغش والتحايل وغير ذلك مما قد لايسلم منه أحد , أو لايكاد .. وساحة الآخرة التي يتنافس عليها الصالحون من عباد الله .. وإذا وصل لما يريد أو لبعضه فإنه لايسلم من القيل والقال والاتهامات مع ما قد يتعرض له من حسد وإشاعات واتهام بأمانته وصدقه , ولايمنع هذا من السعي وبذل الجهد للكسب الحلال , فنعم المال الصالح للرجل الصالح . ومن المعلوم أن المسلم إذا كانت الرؤية والأساليب لديه واضحة وقد وضع في حسبانه أنه سيصدق مع الله وأنه لايقترف الحرام مهما كلفه ذلك , فإن الله سيوفقه ويعطيه مالم يخطر على باله : «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب». والرزق ليس بالضرورة هو المال بل العافية , وراحة البال , والهداية له ولأسرته, والعلاقات الطيبة مع الجميع , والبركة في الأهل والولد والوقت والجهد .. كل هذا وغيره من الرزق الذي لايمكن أن يقارن بالمال. وأما الساحة الأخرى التي لاتضيق بل تتسع كلما توغل فيها الإنسان وسعى لها هي ساحة الآخرة . وهذه من أجمل وأعظم وأيسر أجواء المنافسة النقية التي يتم فيها التعويض للساحة الأخرى .. وهذه الساحة لايمكن دخولها إلا بالأعمال الصالحة , وصدق الإمام النووي عندما بيّن حال الدنيا وحال أصحاب الفتنة والنظرة الثاقبة فقال : نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجّة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا إن حاجتنا أصبحت ماسّة في هذا الزمان الذي كثرت فيه المشاغل , وتداخلت الأمور إلى ربط الأعمال الصالحة أو السيئات بواقع الأحداث الفردية والعامة . وإنك لتعجب أشد العجب من ربط السلف الصالح ما يحصل لهم من أمور حياتهم بما صنعوا , فكان أحدهم يقول: إني لأذنب الذنب فأرى أثر ذلك على زوجتي ودابتي . وتجد آخرين منهم يزيدون في الطاعة ويقولون لأولادهم الصغار: هذه لكم مستدلين بقوله سبحانه : «وكان أبوهما صالحا« أسأل الله أن يوفقنا للعمل الصالح وأن يتقبل منا .. إنه سميع مجيب .