يسر الله لي في العام الماضي زيارة قصيرة لكوريا الجنوبية مع مجموعة من الزملاء، وهي أول مرة أسافر فيها إلى احدى دول الشرق. كانت الرحلة عبارة عن برنامج لمدة أربعة أيام في إدارة الأعمال الدولية، كجزء من برنامج ماجستير إدارة الأعمال للمدراء التنفيذيين من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. على قصر مدة الرحلة إلا أننا استفدنا منها الكثير في الإطلاع على تجربة كوريا في النهضة الاقتصادية، بالاضافة إلى شيء عن تاريخها وحضارتها وطبائع شعبها، وعلاقاتها مع دول المنطقة. كان البرنامج مستضافا من كلية إدارة الأعمال في جامعة المعهد الكوري للعلوم والتقنية كايست (KAIST) في سيئول، وكان مضغوطا ومليئا بالمحاضرات والحوارات مع أكاديميين وخبراء ومستشارين ومسؤولين تنفيذيين في شركات كورية ودولية، بالإضافة إلى زيارات لبعض هذه الشركات. مثل هذا البرنامج درس عملي في استغلال الوقت على الطريقة الكورية (والتي يطلقون عليها «بالي بالي»)، وقد أحببت أن أشارك القراء ببعض المشاهدات التي استفدتها من هذه الزيارة والحوارات الثرية مع الزملاء عن دروس التجربة الكورية في سلسلة مقالات قصيرة. كانت كوريا تدعى المملكة الناسكة (Hermit Kingdom)، نظرا لطبيعتها المسالمة والانعزالية، ودورها السلبي في العلاقات الدولية. تاريخ كوريا هو عبارة عن نضال طويل للمحافظة على استقلاليتها، لأنها محاصرة جغرافيا من العملاق الصيني في غربها والمحارب الياباني في شرقها، ما أعطى شعبها سمات تشبه عقلية الأقلية وتماسكها. يعرف معاصرو السبعينيات والثمانينيات الميلادية في السعودية عن الكوريين عمالتهم الماهرة التي بنت الكثير من مشاريع البنية التحتية، ويعرف الكثير من المراهقين عن كوريا مسلسلاتهم وأغانيهم، ويعرف الأغلبية منا منتجاتهم الإلكترونية والكهربائية وسمع عن نهضتهم الصناعية. لكن هذه المعلومات بالعادة تأتي في إطار كون كوريا الجنوبية احدى دول شرق آسيا، الشهيرة بالنهوض الاقتصادي والجدية في العمل ورياضاتهم القتالية (مثل الكاراتية والتايكواندو والكونق فو) بالإضافة إلى ارتباطهم العميق بتاريخهم وتراثهم. كان أحد أهم الدروس التي استفدتها خلال البرنامج هو مع أن دول شرق آسيا وحضاراتها كثيرا ما تبدو متماثلة لمن يعيش خارجها، إلا أنه توجد فوارق كبيرة بينها. يلخص جيمس رووني، نائب رئيس منتدى سيئول المالي، بعض ملاحظاته على هذه الفروقات من خلال قراءة للأعلام الوطنية لأهم ثلاث دول اقتصاديا في المنطقة : 1. اليابان تتميز بحضارة جماعية شبه مطلقة، تعبر عنها الدائرة الحمراء في منتصف العلم الأبيض، كأنهم يقولون لنا أنهم يقفون بجانب بعضهم ويعبرون جميعا عن رأي واحد. 2. الكوريون أيضا يقفون قريبا بجانب بعضهم، لكن الدائرة في وسط العلم لها لونان وهي ترمز بالأساس لمبدأ المثنوية (يين ويانغ) وهي تعبر عن طبيعتهم المزدوجة بين العقل والعاطفة. 3. النجوم الذهبية (أو الصفراء) في العلم الصيني ترمز إلى الحظ السعيد أو النجاح ورغبة الصينيين أن تكون دولتهم هي النجمة الكبرى، وأن يكونوا هم النجوم التي تحيط بها، أما الأحمر في العلم فهو ليس لونا واحدا كما في علم اليابان، وإنما نقاط حمراء متدرجة اللون ترمز إلى تعددية الشعب الصيني وتماسكهم. كانت كوريا تدعى المملكة الناسكة (Hermit Kingdom)، نظرا لطبيعتها المسالمة والانعزالية، ودورها السلبي في العلاقات الدولية. تاريخ كوريا هو عبارة عن نضال طويل للمحافظة على استقلاليتها، لأنها محاصرة جغرافيا من العملاق الصيني في غربها والمحارب الياباني في شرقها، ما أعطى شعبها سمات تشبه عقلية الأقلية وتماسكها. صادف أن وصلنا إلى كوريا في يوم «الهانغول» ، وهو احتفال بأهم انجازات ملكهم الملقب ب «العظيم» سيجونغ في القرن الخامس عشر الميلادي ويبدو أنه أشهر ملوكهم وأهمهم، وهذا الانجاز هو تبني مشروع تطوير ونشر حروف الكتابة الكورية بدلا من الأحرف الصينية تسمى الهانغول، وهي ما يستخدمه اليوم الكوريون للكتابة بشكل شبه حصري تقريبا. وأشهر حدث في تاريخهم سمعنا عنه، وهو مصدر فخر واعتزاز تاريخي كبير للكوريين، كان صد الأدميرال لي سون سين للأسطول الياباني الغازي بين عامي 1592 و1598 باستخدام «سفينة السلحفاة» التي كانت تمثل انجازا تقنيا كبيرا في ذلك الوقت، ولهذا التراث دور كبير لاحقا في تحفيز تأسيس صناعة السفن في كوريا وهي من أكبر الصناعات في العالم حاليا. والكوريون يعظمون هذين القائدين ويوجد لهما تمثالان كبيران في مركز مدينة سيئول، بالقرب من أحد القصور التاريخية. تويتر@AlQurtas :