مشهد أفرد الأسرة متحلقين حول التلفزيون مساءً للاستمتاع بالمسلسل اليومي انقرض، أو ربما شارف على الانقراض. لم يعد أحد من أفراد الأسرة خصوصاً الأغلبية الشابة منها مهتماً بالتلفزيون ولا بالجريدة ولا حتى بالكتاب الورقي. كل منهم أصبح منهمكاً بجهازٍ ما يحمله في يده مرتبطا بالإنترنت؛ كجوال ذكي، أو كمبيوتير كفي/ لوحي، أو شيء هجين بين هذا وذاك. لقد أصبحت الحياة بدون هذه الأجهزة المتنقلة وبدون الإنترنت أمراً مملاً للكثيرين. لقد تحولنا بالفعل إلى مجتمع مهووس بالأجهزة Gadget Oriented Society. في مجالسنا، الكل مشغول بجهازه الخاص، ومتابعة حساباته المختلفة على الإنترنت. فعلى قربنا من بعضنا في اجتمعاتنا، إلا أن قلوبنا أصبحت متباعدة. موقع «تويتر» أصبح ديوانية السعوديين الكبيرة بمختلف أطيافهم، وعلى عكس ما كان متوقعاً، أصبح عامل تحاور لا تنافر، فالكل يطرح رأيه، ويناقش بهدوء، بل يتفهم الآخر ويتعاون معه. قلة قليلة لا تُذكَر خرجت عن هذا السياق. بالأمس القريب، ظهرت صورة مشرِّفة لمجتمع «تويتر» السعودي، فقد ساعد أعضاؤه على إيجاد كثير من المفقودين وإعادتهم إلى أهلهم. صرنا نسمع الأحاديث ولا نعيها من شدة تعلقنا بالإنترنت. أفراد الأسرة الواحدة ربما فاق تواصلهم عبر الشبكات الاجتماعية التواصل المباشر بينهم (وجهاً لوجه)! أصبحنا أكثر تعطشاً للبحث، وفهم الآخرين ومعرفة آرائهم، والاطلاع على تجاربهم، وإطلاع الآخرين أيضاً على تجاربنا وآرائنا الخاصة. أصبحنا ندوِّن آراءنا، وتجاربنا الجيدة والسيئة، عن كل شيء تقريباً في مدوناتنا وحساباتنا المختلفة في الشبكات الاجتماعية، حتى أصبح تدوين التجارب ونشرها وسيلة ضغط أكثر فاعلية من كل مبادرات حماية المستهلك وحقوق الإنسان التي قامت محلياً. السلوك الفردي تغيَّر لكل منا. إنسان اليوم يختلف عن إنسان ما قبل سنة (وليس قبل عشر سنوات). قراءتنا الصحف غيَّرتها شبكة الإنترنت، وصرنا نقرأ الكتب على أجهزتنا النقالة! كنا نسمع عن ساعي البريد ونتغنى به، ولم نره في حياتنا، حتى أصبح لكل منا فجأة عدة صناديق بريد دفعة واحدة على الإنترنت، وأصبحنا ننشر صورنا وإنتاجنا وأخبارنا وآراءنا من خلال «الفيس بوك» و«تويتر». لم نعد بحاجة إلى انتظار صحفي أو مراسل إخباري حتى ينقلها. موقع «تويتر» أصبح ديوانية السعوديين الكبيرة بمختلف أطيافهم، وعلى عكس ما كان متوقعاً، أصبح عامل تحاور لا تنافر، فالكل يطرح رأيه، ويناقش بهدوء، بل يتفهم الآخر ويتعاون معه. قلة قليلة لا تُذكَر خرجت عن هذا السياق. بالأمس القريب، ظهرت صورة مشرِّفة لمجتمع «تويتر» السعودي، فقد ساعد أعضاؤه في إيجاد كثير من المفقودين وإعادتهم إلى أهلهم. «تغريدة» قصيرة من بضع كلمات كانت كافية لإشعال همم آلاف المتطوعين بمختلف مدن المملكة، من أجل إيجاد مفقود وإعادته إلى أهله، بدلاً من انتظار تحرك الجهات المسؤولة، وصرنا نتصفح المتاجر الإلكترونية، ونشتري الكتب والألعاب والأجهزة من أقاصي الأرض دون أن نتحرك خطوة واحدة من غرفنا. أما أطفالنا فصاروا يخوضون مباريات كرة القدم والمعارك الافتراضية في «بلاي ستيشن» و«إكس بوكس» في بيوتنا مع أطفال آخرين من الهند واليابان والبرازيل وغيرها. أما في الاقتصاد، فكلنا يتذكر صالات تداول الأسهم عندما كانت تغص بمرتاديها. اليوم لا تكاد تجد فيها أحداً، وتقلص عددها بحدة، فقد أصبح الناس يتداولون من خلال الإنترنت! ليس هذا وحسب، بل ويتاجرون بالعملات الصعبة (الفوريكس) عبر الإنترنت أيضاً، وبفضل المواقع التي تشجع على المتاجرة، مثل موقعي «إي بِي» و«مُستعمَل» أصبح لأبنائنا بقالات ومخازن مصغّرة داخل غرف نومهم! كما صرنا أكثر كسلاً من ذي قبل. لم نعد نحتمل أن يُملي علينا التلفزيون ما ينبغي أن نراه، بل صرنا نقفز مباشرة إلى «يوتيوب»، ونمتع نواظرنا بما نرغب مشاهدته. وبلا فخر، احتللنا نحن السعوديين الصدارة عالمياً في مشاهدة المقاطع المُصوَّرة عبر «يوتيوب» في 2010م بواقع 120 مليار دقيقة يومياً! أما شبابنا المتعلمون تعليماً جيداً فقد وجدوا في الإنترنت باباً للبحث عن وظيفة متميزة دون «واسطة». زيارة واحدة للتسجيل في موقع مثل «لينكد إن»، الشبكة التي تجمع كل الموظفين وجهات التوظيف في العالم، كفيل بتوفير فرصة عمل جيدة في وقت قياسي (ربما تكون أيضاً خارج الحدود)، وتلقي فرصا أخرى على الدوام. كما أصبح بإمكانهم تقديم أنفسهم مباشرة إلى مسؤولي التوظيف والتخاطب معهم في أي وقت. أقوى (وربما أسوأ) تأثير للإنترنت كان التأثير الاجتماعي. شباب كثر من الجنسين كوَّنوا صداقات محلية ودولية عبر الإنترنت، وبعضهم خاض تجارب حب، وربما تعرَّف على شريك عمره واقترن به. ومن الطريف أن حتى المعاكسين (المغازلجية بالعاميّة) تغيّر سلوكهم وتقلصت أعدادهم في الأسواق والمجمعات التجارية بسبب الإنترنت أيضاً، فالشبكات الاجتماعية وفَّرت لهم وسائل أخرى أكثر أماناً لممارسة غواياتهم كما يحلو لهم، بعيداً عن تنغيص حياة غيرهم. أتمنى أن نتطور مع التطور السريع والمدهش لشبكة الإنترنت، ونكسب المعلومات والعلاقات، لكن دون أن نخسر أنفسنا.