يتداول الناس في مثل هذا التوقيت من كل عام الرؤى والمنامات التي تحاول تحديد ليلة القدر ، وهذا جزء من تركيبتنا الثقافية التي تعزز من ربط واقعنا بما نراه في أوقات نومنا ، والمتأمل في السياقات المجتمعة من الأحاديث الواردة من المصطفى عليه الصلاة والسلام في توقيت ليلة القدر يجد أن إخفاء التوقيت مقصود ليجتهد الناس في كل الليالي ، فالتحديد القاطع الحاسم لم يصلنا من النبي عليه الصلاة والسلام ولكن الرجاء وتغليب الظن هو السائد ، فهو يجتهد في العشر الأواخر من رمضان أكثر من العشرين الأولى ، ويشد فيها المئزر ويحيي الليل ويوقظ أهله ، ويقول عليه الصلاة والسلام في ليلة القدر : ( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) ، فهذه الليلة العظيمة ترجى في العشر الأواخر أكثر من باقي الشهر ، وفي الليالي الوتر -الفردية- تكون أرجى من الليالي الزوجية كما جاء في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها : ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ) ، فالحكمة المستلهمة من عديد النصوص أن يجتهد العبد في ليالي العشر كلها وأن يبذل مايستطيع ليفوز بالغنم العظيم . أقل من عشر ساعات هي مجمل لحظات هذه الليلة التي تبدأ من اذان المغرب وتنتهي باذان الفجر ولكن أجر العبادة فيها يتجاوز ثلاثاً وثمانين سنة كما قال تعالى : ( ليلة القدر خير من ألف شهر) ، وقيامها يكفر قديم الذنوب والخطايا كما قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم : ( من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ، والقيام يمكنك من جمع عبادات متعددة في عبادة واحدة ( صلاة - قراءة قرآن - دعاء - ذكر) وسؤال أمنا عائشة رضي الله عنها لنبينا عليه الصلاة والسلام فتح لنا باب الدعاء الأفضل في ليلة القدر عندما قالت : ( يارسول الله .. أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) . صيامنا وقيامنا يخدشه كثير من الممارسات التي تشوه صفاءه وضياءه ، وجلالة قدر هذه الليلة المباركة تستحق منا أن تكون جوارحنا عفيفة ومتنزهة عن هذه الخوادش ، ولعل هجراً لأجهزتنا الذكية في مثل هذه الساعات هو المطلوب والأولى ، واحتضان كفوفنا للمصحف وشخوص أعيننا في موضع السجود هو الحالة الجمالية الأليق بوقار تلك الليلة الجليلة .