قدم رئيس فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام القاص والناقد عيد الناصر قراءة في رواية النادي الأدبي للصحفي والروائي محمد المرزوق «لا تشتهِ امرأةَ جاركَ» الصادرة عام 2009 أي بعد ما يربو على ثلاث سنوات من صدورها، وقد أثارت القراءة الكثير من الأسئلة والنقاش حول الرواية. بدأت الأمسية بتقييم من الناقد والقاص محمد البشير الذي طرح جملة من الأسئلة وصفها بال«حائرة» حول التغيرات التي أصابت المنطقة الشرقية ومدنها وإنسانها ناقلاً عن الناصر قوله إن «المنطقة الشرقية لم تأخذ حقها كمكان في السرد الروائي» مبيناً أن عدداً قليلا من الروايات فعلت ذلك منها رواية المرزوق «لا تشته امرأة جارك». كما نقل البشير عن الأنثروبولوجي ليفي شتروس تقسيمه المجتمعات إلى مجتمعات «حارة تسرد ذاتها» وأخرى باردة تقليدية لا تفعل ذلك. وتساءل عما إذا كان مجتمع المنطقة الشرقية يعد مجتمعا يمكن وصفه بالسخونة وقبول التغيير السريع أم ينتمي للمجتمعات الباردة الرافضة للتغيير رغم عيشها في خضم التقنية؟ كما تساءل عما إذا كان في العنوان عودة إلى الخلف من خلال التناص مع نص تراثي أم أنه عنوان مشاكس؟ بعد ذلك شرع الناصر في الحديث ذاكرا أن ورقته تطرح عدة محاور عن حكاية النص وبعض الملامح الفنية في السرد والمكان ودلالاته والتغيرات الاجتماعية التي أشار لها النص، وتنتهي بوجهة نظر تأويلية حول ما اراد الروائي أن يقوله عبر الرواية، والسؤال الذي ينبغي مواجهته حاضراً ومستقبلاً. وقال الناصر إن الرواية رصدت التحولات التي حدثت خلال القرن العشرين لإحدى المناطق الموغلة في القدم على الخليج العربي، وتحديداً منطقة «القطيف» كمثال لما حدث في كل مناطق المملكة، وذلك من خلال ثلاثة أجيال هي الجد علي وابنه سعيد وابن سعيد الذي سماه علياً تيمناً بالجد. وفي زمن الرواية، قال ان الجد عاصر الحرب العالمية الأولى، ونقلت الأحداث على لسان الحفيد علي بن سعيد ومنها ذكريات الأب والجد والأم مصوراً الحياة وسماتها قبل الطفرة الاقتصادية التي مرت بها المنطقة. ومن الناحية الفنية قال ان الرواية اتخذت مساراً دائرياً على مدى 127 صفحة بواقعية كلاسيكية تراوحت فيها البنية بين الإخبار والتصوير مع سيطرة واضحة للراوي العليم بلغة ساخرة سوداوية تعرّي الذات والمجتمع بأعرافه وتقاليده البالية التي لا تنفك تدفع الانسان إلى الصمت أو القبر. وذكر الناصر أن الرواية ترتكز على قراءة تغيرات المكان في القرية والمدينة وشكل المسكن، حيث المسكن البسيط الذي بناه الجد بيديه. ثم يلتقط الكاتب عدة مواقع لها اهميتها في ذاكرة أبناء المجتمع مثل «قهوة غراب، ومسجد الخضر، والفرضة»، قبل أن تدفن بحجارة ليقوم مكانها حي سكني. وانتقل الناصر إلى تحولات الإنسان وذكر أن الروائي تحدث عن مرحلة عمرها ثمانية عقود حيث كانت التغيرات تجري ببطء ثم مع طفرة النفط حدثت قفزة مفاجئة. وهنا انتقل الناصر بذاكرته عن هذه الأزمة والامكنة التي ذكرت في الرواية وان الانسان انتزع من بيئته واصبح يعيش في غربة تمزقه!! وأكد الناصر أن الرواية تؤسس للمقارنة بين مرحلة كان الانسان فيها فقيرا ولكنه يؤثث كل زوايا حياته بجهده وعرقه ليبني مجتمعه بكل الوسائل المتاحة لديه وبين مرحلة امتلأ جيبه بالمال وبين مرحلة صار فيها فارغاً من الداخل بلا هدف أو غاية او مهمة. وقد قام الكاتب بكل ذلك بعملية استفزاز للتفكير حيث تحول الناس إلى الحياة الاستهلاكية بامتياز، إذ تطرح الرواية سؤلاً مخيفاً: ماذا لدينا بعد النفط؟ بعد انتهاء الناصر من ورقته فتح البشير باب المداخلات فعلق فاضل التركي على الجفاف الابداعي في مختلف الفنون حيث يأخذ الفنانون ما هو موجود في الخارج ويتكئون على إرث الماضي. وداخل الشاعر حسين ال دهيم مشيراً ان الناصر لم يتحدث عن بناء الرواية، وسأل المؤلف عن التناقض بين كرهه للشعر وتسلل الشعر الى بناء روايته التي كتبت بلغة شاعرية. وتساءل الدكتور مبارك الخالدي عن بناء الرواية وسر الجمل القصيرة التي كتبت بها. ثم تحدث الشاعر محمد الدميني طالبا من المرزوق التحدث عن الرواية واشار إلى أن قراءة الناصر قراءة انطباعية من خلال الفضاء الاجتماعي الذي يتحرك فيه الاشخاص. وداخل القاص عبدالدحيلان موجها السؤال الى المرزوق الذي وصفه بأنه انسان نزق فلماذا لا يكون له حضور ثقافي مواز. وقال الناقد أحمد سماحة ملاحظا ان الناصر أراد أن يكسر حدة النقد فأخذنا لانطباعات عن جماليات الرواية، ولم يكشف عن مكامن الضعف التي لمسها في بنائية رواية هي الاولى لكاتبها. ورد الناصر والمرزوق على التساؤلات والمداخلات وقال انه يميل إلى تقديم قراءة أقرب إلى الانطباعية للأعمال التي تستهويه وتحثه على الكتابة وهذا نادراً ما يحدث. وختمت الأمسية بتقديم رئيس النادي خليل الفزيع الدروع التذكارية للضيف والمقدم.