لطالما أبهرت الدراما السورية متابعيها بقدرتها على انتاج أعمال تكون البطولة فيها لمجموعة من الممثلين، وفرضت نفسها بديلاً عن الاسلوب التقليدي الذي يعتمد بطولة أحد كبار النجوم لمسلسل ما، وامساكه لكافة الخيوط الدرامية، وارتباط كافة القصص والتطورات بشخصية هذا البطل. وقد استمر هذا النجاح في الموسم الدرامي الرمضاني، وتجلى ذلك في العديد من الأعمال الدرامية السورية، ولكن لعل أحد أبرز هذه الأعمال مسلسل «يا مال الشام» للمخرج باسل الخطيب والكاتب عدنان العودة الذي بدأت القنوات الفضائية بث حلقاته مطلع شهر رمضان يومياً ، حيث استطاع العمل استقطاب اهتمام جماهيري كبير بفضل تميز أبطاله الذين يؤدون أدواراً تعكس طبقات وبيئات مختلفة، وحنكة المخرج باسل الخطيب الذي حرص، رغم صعوبة ظروف التصوير، على الخروج بعمل متقن يحاكي البيئة السورية بتنوعها وتناقضاتها أواخر عقد الأربعينيات من القرن الماضي. وقد شكلت الحلقات الأولى من العمل مقدمة واضحة لشخصيات العمل وخلفياتهم وصفاتهم إضافة إلى تدرج مدروس في شرح الظروف المحيطة بهم وهي بداية أحداث نكبة فلسطين عام 1948، والتغيرات الكبيرة التي طرأت على المجتمع السوري والتعايش مع الجالية اليهودية المقيمة هناك منذ قرون. استطاعت الفنانة سلاف فواخرجي التي تلعب دور «وداد» الفتاة اليهودية السورية، خلال الحلقات الأولى تعزيز مكانتها كفنانة درامية سورية واستطاعت الفنانة سلاف فواخرجي التي تلعب دور «وداد» الفتاة اليهودية السورية، خلال الحلقات الأولى تعزيز مكانتها كفنانة درامية سورية ، حيث اتقنت أداء شخصية وداد المحبوبة والعصرية والحيوية في الحي، والتي استطاعت بناء علاقات مع شخصيات عديدة في الحي بما في ذلك جارتها القادمة من مدينة حلب وهي النجمة ديمة قندلفت التي تؤدي دور ربيعة، حيث تستمر العلاقة حتى الآن بالتوطد رغم اختلاف البيئات وشخصية وداد المثيرة للتساؤلات، وكذلك الاهتمام المتفاوت بشخصية رأفت (النجم وائل رمضان). بدأ المسلسل أيضاً في حلقاته الأولى برصد حال المجتمع اليهودي السوري، وحالة عدم الاستقرار التي عاشها خلال أزمة فلسطين، بين ما هو مؤيد للبقاء في الوطن الأم سوريا وهم الأغلبية وبين متردد أو مقتنع بالهروب والإقامة في فلسطينالمحتلة. وقد استطاع المخرج عكس واقع هذا المجتمع بدقة من خلال التصوير في الأماكن الأثرية الملائمة وبعض المتاجر والمهن التي اشتهر بها يهود سوريا في تلك الفترة. وتستمر حلقات المسلسل في طرح زمنين مختلفين، وقصتين متوازيتين، فيرصد الشخصيات في أواخر الأربعينيات، ومن ثم بداية القرن الحالي، عام 2001،ويستطيع المشاهد الآن ادراك الفارق الشاسع بين هاتين الفترتين الزمنيتين، سواء من ناحية فكرة التعايش مع الآخر، أو فكرة التصالح والتضحية لايجاد حل طويل الأمد، حيث اعتمد العمل على مركزية القضية الفلسطينية في المجتمع السوري، ولعل أبرز فارق يمكن للمشاهد ادراكه هو الاختلاف الجذري بشخصية وداد وتقاسيم وجهها حيث تتحول بين الفترتين من امرأة بشوشة ومرحة إلى امرأة تحمل هموماً كبيرة وذكريات أليمة. وتعد الحلقات القادمة بمزيد من التشويق وخصوصاً مع تسارع الأحداث في فلسطين، وتأثيراتها على المجتمع اليهودي الدمشقي، وظهور شخصيات جديدة يكون لها دور محوري في أحداث المسلسل.