بدأت في العراق موجة جديدة أخرى، من التفجيرات والموت. ومع الأسف هذه الموجة ليست غريبة، لأن العراق لم يمض يوماً واحداً بلا تفجيرات أو عمليات موت وجرائم طائفية وعرقية منذ أن وطأت أقدام جنود الاحتلال الأمريكي العراق عام 2003 ثم تولي الحكومات الطائفية المتطرفة القصيرة النظر الخاضعة للنفوذ الإيراني التي حكمت العراق وانتهجت حرباً طائفية علنية ضد العرب في العراق. مؤلم أن ينشغل بلد مثل العراق بالتفجيرات وبثقافة الموت والحقد والدمار والتدمير والانتقام. وكان يمكن ان يتعافى العراق مبكراً من توابع الاحتلال الأمريكي وحالة الفوضى لو أن الحكومات العراقية، وبالذات حكومة نوري المالكي، لم تقد العراق إلى طريق الهاوية، وتصرفت بأسلوب من الحكمة والرشد والاعتراف بحقائق التاريخ وبأن العراق هو بلد عربي بهويته وروحه وضميره وحضوره وتاريخه، لكان العراق الآن يسعد بالأمن والسلامة والسلام، ولكن الحكومات العراقية ما بعد الاحتلال رهنت نفسها لإيران وأخضعت العراق إلى نفوذ طهران ورجالها وعملائها وميليشياتها، في نهج أخرق ومخطط متعمد لتدمير العراق. ومن الطبيعي أن تحل الجريمة والكره والفساد في العراق لأن طهران تحضر معها التفرقة العنصرية وأعمال الكره والجرائم والدسائس حيثما تحضر وأينما تحل. ثم ماذا ينتظر من بلد تتمكن منه قوى كانت قبل سنوات قليلة تتعارك معه على الحدود وتشعل معه حرباً مهولة قتلت وجرحت وشوهت وغيبت ملايين من الناس واهلكت الحرث والنسل. لا ينتظر منها إلا أن تعيد معاركها بهجمة أشرس وأمضى بعد أن مهدت لها الظروف وخلت لها الأجواء فأصبحت تخطط وتهندس أعمالا جديدة ومروعة للتصفية الجسدية والثقافية والوطنية وسلخ العراق من هويته العربية وعروبته وأبنائه وانتمائه، ومحاولة تدمير بغداد والانتقام منها وطمس أي ذكر لكونها عاصمة للخلافة الإسلامية العربية. إذ تحول العراق إلى بلد ميليشيات ومنظمات إرهابية وقوى جريمة ودسائس ومؤامرات، أذرع أجنبية، تمارس كل ما يمكن تخيله من أنواع الجريمة وتدمير العراق في كل مجال وجهة ومدينة وقرية. وكان يمكن لحكومة نوري المالكي تجنيب العراقيين الكثير من المصائب ومنع الكثير من التدمير عن العراق فيما لو استجابت لنصيحة المملكة وبلدان الخليج بأن تمتنع عن رهن نفسها لدى طهران وأن تحافظ على هوية العراق العربية وأن تعمل على هذا الأساس، وأن تنهض بمصالحة وطنية حقيقية وترسي العدل والعدالة والحكم الرشيد لجميع العراقيين بلا استثناء وبلا إقصاء. وبدلاً من ان يتبع المالكي النهج السليم الذي يخرج العراق من ظلماته، ارتمى أكثر في أحضان طهران ورجالها، فشكل الميليشيات والمحاكم الصورية وزج بالوطنيين العرب في السجون والمعتقلات السرية وشن حروب تطهير عرقي وطائفي فأدخل العراق إلى مخاطر أفدح وأكثر ظلاماً تنتج كل يوم المزيد من الاضطرابات والتفجيرات والدماء والضحايا والآلام.