عاشت أجيال من الصحفيين والمثقفين في السعودية يتذكرون علماً بارزاً في تاريخ الصحافة السعودية، هو الأستاذ فهد العريفي، الذي يتذكره أغلب من عرفوه أو قرأوا له، بأنه رجل وطني من الطراز النادر، وإنساني من معدن فريد. لم تكن تهمه رؤية الجماهير، فيسعى إليها، ولم تكن شهرته وعلاقاته مع أصحاب القرار قادرة على أن تعميه عما تلزمه به مبادئه. لم ألق أحداً من مختلف التيارات إلا وهو عنه راضٍ؛ كان شهماً لا تغريه الخزعبلات والأضواء، كما كان حاذقاً في اختيار كلماته، التي يمكن أن تؤدي بكاتب يهتم بقضايا الإنسان والوطن إلى إيجاد حزازات اقليمية أو سوء في العلاقات مع المسؤولين وجهات النشر الرسمية. لم يتحدث عن نفسه، إلا في مواضع لابد من الحديث فيها عن مبدأ قصة، أو نقل حديث دار بينه وبين أحد من الناس، مما يتعلق بموضوع الكتابة، أو الاقتراحات التي يقدمها. ولم يلمز أحداً من المسؤولين بشخصه أو صفته الاعتبارية. كما لم يتناول أي وسيلة إعلامية بالانتقاص، لأنه لم يكن يهدف إلى إبراز نفسه على حساب من يقوم بنقده. ولم يؤثر عنه كذلك، أنه كان يزكي نفسه أو أشخاصاً تربطه بهم صلة مصالح حزبية، أو تبادل أدوار تمثيلية. ما كانت من أخلاقه، أن يقدم الآراء الغريبة من أجل لفت الأنظار، كما يفعل غيره في مغامرات لفظية؛ يتراجعون فيها بعد ذلك عن كل فكرة إلى نقيضها. كما كان يتثبت من مصادر معلوماته، ويبني أحكامه على الواقع القائم، لا على صور ضبابية يتخيلها، كما يصنع غيره ممن أصيبوا بعظمة الجنون. لم يكن يزايد على وطنية المسؤولين والمواطنين سواه، بل والجهات الرسمية، عندما يتناول موضوعاً، يكون منطلقه الاهتمام بالمواطن وقضاياه. بل لم يذكر أحداً بسوء، ولم يبتكر القصص التي تجعل منه بطلاً أسطورياً في الشرق والغرب. وعلى حسن علاقاته ببعض المتنفذين في عدد من دول الجوار؛ إلا أنه لم يقحم نفسه في شؤونهملم يعرف عدد من يقرأ له، أو يحبه في وطنيته وأخلاقه ومبادئه الإنسانية الرفيعة؛ بل لم تكن هذه الأمور من منطلقات ذلك الجيل الرائد، الذي كان يؤمن بأهمية العمل الصحفي في رفع أصوات الضعفاء، ونقل الصور، التي لا تصل إلى أصحاب القرار، أو إلى الرأي العام المشغول عن قضايا الفساد، والإهمال التي لا يبالي بعض عديمي الذمة في أن يرتكبوها، ويحاولوا بالتالي إخفاءها. ولم تكن صورته الشخصية أو الكاميرات تحضر إلى مواقع وجوده، لتنقل توثيقاً بما يقوم به من أجل الناس الذين أحبهم وأحبوه. لم يكن يزايد على وطنية المسؤولين والمواطنين سواه، بل والجهات الرسمية، عندما يتناول موضوعاً، يكون منطلقه الاهتمام بالمواطن وقضاياه. بل لم يذكر أحداً بسوء، ولم يبتكر القصص التي تجعل منه بطلاً أسطورياً في الشرق والغرب. وعلى حسن علاقاته ببعض المتنفذين في عدد من دول الجوار؛ إلا أنه لم يقحم نفسه في شؤونهم، أو ينصب نفسه حكماً لكيفية عيشهم، أو اختيار أسلوب حياتهم. لو كان - رحمه الله - بيننا في هذا العصر، فلا أظنه سيحرض أبناء وطنه على ارتياد المهالك من أجل زيادة في رصيده المالي، أو ازدياد عدد المتابعين والمغرر بهم من ضعاف التكوين وأصحاب الهوى. ولا أظنه سيغادر وطنه، ليهدم لحمة الوئام بين فئاته، ولا أظنه سيبيع وطنه في مزاد الحركات السياسية والتنظيمات الدولية. لك الله أيتها الصحراء القاحلة من كل زرع! كيف تعجزين عن انجاب مثله، بل وتبلغ بك الجرأة أن تنجبي نقيضه؟ حياة الرجال بين ثلاث مراحل: مرحلة يظهر فيها نقاء معدنه أو فساده، ومرحلة وسطى يتميز فيها كل بايجابية أو سلبية بين الناس، وثالثة تحفر فيها الشخصية تاريخاً يمتد بطول ثقافة صاحبها. ولا أظن ذلك الرجل، ومن يأتي بعده، إلا على طرفي نقيض. ذلك العريفي مات. وقليل من الناس كانوا يعرفون قيمة فقدهم لمثل أولئك الرجال، إلا بعد أن يكتشفوا أشباه الرجال يأتون، ويطلبون بأقلامهم مجداً شخصياً، ومالاً وفيراً، ويسعون بألسنتهم إلى صنع ثقافة من ردع الخوف المتبادل (قياساً إلى ما سمي في حقبة سلام ما بعد الحرب العالمية الثانية: قوة الردع النووي). فهل يكشف هؤلاء المحبون والقراء الذين كانوا يستمتعون بكتاباته، ويعشقون شهامته، حقيقة غيره بعد أن عرفوا قيمته، ومدى أصالة مبادئه وعلو همته؟ أم سيعلو الزبد المياه الجارية والراكدة، ويتشرب الناس ثقافة نجوم الأكشن الفارغين، وأصحاب العقول التي لا تجذبها إلا أضواء الفلاشات .. يتقافزون من محنة إلى أخرى؟ الله يخارجنا!