وعدتكم في مقال الأسبوع الفائت أن أقص عليكم قصة مريم، وهي شخصية حقيقية تمثل شريحة كبيرة بيننا إن لم يكن معظمنا، فلكل مواطن الحق أن يحلم بعش هادئ يملكه ليضم عائلته تحت سقف بيت لا يقلقه في نهاية كل عام دفع مبالغ إيجار تقصم الظهر وتحطم آمال الادخار لضمان مستقبل أفضل على صخرة الجشع والطمع ليصب المزيد في جيوب الاستنزاف.. والإيجار لمن لا يعرفه حرب استنزاف خفية بالفعل.. للطاقة النفسية والمستوى الاقتصادي للأسرة، ويعللون الارتفاع المطّرد في أسعار الايجارات بأنه انعكاس لغلاء مواد البناء والأراضي وهم غير مكترثين كثيراً بالمستئجر السعودي على أي حال، إذ يعوّلون أكثر على التأجير للشركات وموظفيها الأجانب والذين لا يترددون في دفع مبالغ عالية جداً نظير الكومباوندات المغلقة والمجمعات السكنية التي تتوافر بها سبل الترفيه والراحة مغلقين أبوابها في وجه السعودي، الذي أعرض عنها بدوره لأن سبعين ألف ريال على أقل تقدير مبلغ سنوي لن يتمكن من دفعه حتى لو لم يكن لديه أي التزامات أخرى تقتص من الراتب! وبذلك يتشدق أصحاب المكاتب بكل عنجهية عندما تبدأ بالمفاوضة معه: «هذه المساكن ليست لكم!». عمّت الفرحة نفوسهم وعاينوا البيت وجمعوا له الرواتب شهراً بعد آخر، والوسيط العبقري يطلب المزيد وافقوا على التلاعب رغم نزاهتهم ونقائهم لعدم مرونة الأنظمة واحتوائها على حلول لكافة مستويات الدخل.. فجأة اختفى الوسيط ولم يعد يجيب عن الاتصالات وطارت معه أكثر من خمسين ألف ريال «تحويشة» عمر . فقررت مريم وإخوتها شراء منزل كهدية لوالدتهم المتقاعدة ليسكنوا فيه جميعهم معها، ونظراً لأن كلا منهم يتقاضى راتباً في حدود الأربعة إلى خمسة آلاف ريال شهرياً فهو بذلك لا يستطيع الحصول على تمويل عقاري والتمتع بمزايا ووعود البنوك البرّاقة في تملك عقار، لكن إخوة مريم رأوا أنهم قادرون مجتمعين على تسديد مبلغ نهاية كل شهر كقسط للتمليك المؤجل وأن ذلك أمر هيّن عليهم إذا ما اجتمعوا فيد الله مع الجماعة.. بقي عليهم فقط إيجاد مخرج لنظام البنوك الذي لا يعطيك وجها إلا إذا كان رصيدك «مغطى» وجهة عملك تشهد لك أنك تتقاضى على الأقل عشرة آلاف ريال!. المؤلم أنهم كانوا يسكنون بيتاً خاصاً اضطروا لبيعه بعد وفاة والدهم، كما قررت أمهم التقديم على صندوق التنمية العقاري منذ سنوات ولم يحن دورها بعد! فالصندوق اكتشف تقديم أسماء مكررة استلمت سابقاً قروضاً كما أفاد الصندوق أن إعلان المستفيدين لن يكون بمبدأ أسبقية التسجيل الإلكتروني بل سيكون بحسب المعايير المحددة مسبقاً كالاعتبارات السنية والحالة الاجتماعية والمادية وعدد أفراد الأسرة!. بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات استعان إخوة مريم بصديق! أو ما يسمى بسمسار السعادة والهناء.. وسيط عقاري فاشل فرش لهم الدورب وروداً ورمالاً ناعمة نحو تحقيق حلمهم، لكن الأمر بحاجة لكثير من الدهاء والتلاعب حتى يمكن تمرير الفكرة إلى البنك، وكانت الفكرة أن يودع مبلغاً لا يقل عن أربعين ألف ريال في حساب أحد الإخوة حتى يقتنع البنك أنه قادر على الإيفاء بشروط التمليك المؤجل، وراحت أيام وأتت أيام وهم يتساءلون كل يوم عن موعد استكمال الاجراءات.. عمّت الفرحة نفوسهم وعاينوا البيت وجمعوا له الرواتب شهراً بعد آخر، والوسيط العبقري يطلب المزيد وافقوا على التلاعب رغم نزاهتهم ونقائهم لعدم مرونة الأنظمة واحتوائها على حلول لكافة مستويات الدخل.. فجأة اختفى الوسيط ولم يعد يجيب عن الاتصالات وطارت معه أكثر من خمسين ألف ريال «تحويشة» عمر وجهد وعمل وأخوة وأمل على حد قول مريم! الوسطاء العقاريون في حالة انفلات أخلاقي وإداري لا مثيل له في أي مجال آخر، لا رقيب عليهم ولا حسيب على مؤهلاتهم.. بعضهم يلمّ بأسرار السوق ومتابع جيد والبعض الآخر داخل السوق «سبهللة» و»استعباط» وانتفاع جشع غير مقبول خاصة بعض المتسلقين من جنسيات عربية لا يفقهون الكثير عن نواحي المنطقة وتطورها العمراني! الحل في تنظيم سريع يقيّم أوضاعهم، ويحثهم على متابعة أسعار السوق، والالتزام بالمعلومات الصحيحة والشفافية لمنفعة جميع الأطراف!. في حين تعدّ شبكة الانترنت مرجعاً مهماً لأي باحث عن سكن في دول العالم، فهي عندنا مع الأسف مصدر غير موثوق فيه للمعلومات ويمتلئ بأرقام جوالات من أطلقوا على أنفسهم كنيات مجهولة مثل «أبو سامي» و»أبو علي» و»أبو عبدالله»!! فمن هؤلاء وما مرجعيتهم.. لا أحد يدري!. تويتر: @Rehabzaid