و كأي عربي أحوازي أحمل جواز سفر إيراني ،كرهاً وليس حباً، إلا أنني و يوما ما سأتخلص منه قريباً طائعا مختارا ، حملت ذاك الجواز و حملت معه هما يوازي ثقل وطن كامل إبتلعه جار السوء الغادر. حملته و مضيت من بلد إلى آخر ، حتى حط بي الترحال في مطار إحدى الدول العربية ، استقبلتني موظفة الجوازات بابتسامة طالما تدربت عليها حتى أتقنتها لتستقبل بها أي زائر لبلدها ، أخذت مني الجواز لتضع عليه ختم الدخول و حيتني بتحية عربية خالصة، فرددت التحية بأحسن منها ، ابتسمت أكثر و قالت: من يسمعك ويراك لا يميز بينك و بين أي عربي، إبتسمت لها قبل أن اقول إنه لا يربطني بالفرس إلا هذا الجواز، و انما أنا عربي الهوى و الفؤاد ، أحوازي المولد و التربية اعتذرت مني بكل ما اوتيت من لباقة و سالتني من تحب أكثر الاحواز أم هذه البلد فقلت لها: الفرق عندي بين بلدي و بلدكم كالفرق بين الأم والزوجة .... فالزوجة أختارها .. أرغب بجمالها .. أحبها .. أعشقها ..اعيش معها الحلوة و المرة لكن لا يمكن أن تنسيني أمي .. الأم التي لا أختارها ولكني أجد نفسي ملكها .. لا أرتاح الا في أحضانها .. ولا أبكي إلا على صدرها .. وأرجو الله ألا أموت إلا على ترابٍ تحت قدميها .. فأغلقت جواز السفر ونظرت إلي باستغراب... وقالت: نسمعُ عن ضيق العيش في الأحواز فلماذا تحبها ؟ قلت: أتقصدين أمي؟ فابتسمت وقالت: لتكن أمك ... فقلت: قد لا تملك أمي ثمن الدواء ولا أجرة الطبيب. لكن حنان أحضانها وهي تضمني... ولهفة قلبها حين أكون بين يديها تشفيني ... قالت: صف لي الأحواز فقلت: هي ليست بالشقراء الجميلة ، لكنك ترتاحين اذا رأيت وجهها .. ليست بذات العيون الزرقاء ... لكنك تشعرين بالطمأنينة اذا نظرت اليها .. ثيابها بسيطة ، لكنها تحمل في ثناياها .... الطيبة . والرحمة .. لا تتزين بالذهب والفضة ، لكن في جيدها عقداً يزين اشجار نخيلها تطعم به كل جائع .. سرقها اللصوص ولكنها ما زالت تبتسم ..!! الاحواز باقية طول الدهر ... الاحواز باقية بوابة شرقية في وجه الريح الصفراء الاحواز باقية مع ان سماءها لا تمطر الا غربة و ارضها لا تزهر الا خفافيش ... لكنها باقية أعادت إلي جواز السفر ... وقالت: أرى الأحواز على التلفاز... ولكني لا أرى ما وصفت لي ..!! فقلت لها: أنت رأيت الاحواز التي على الخريطة ... أما أنا فأتحدث عن الأحواز التي تقع في قلبي فاضل الاحوازي..نموت ويحيا الوطن رمضان مبارك 1