الصور الذهنية التي تشكل جزءا أساسيا من وعينا، تتشكل عبر تراكم للمشاهدات اليومية، وما يصوره الخيال من أشكال مركبة لما تعجز العين عن نقله، تحيط تلك الصور نفسها بجدار من التفسيرات المنطقية، رغم أن الذهن البشري يقبل الكثير من الصور المتناقضة، والعمل على تغيير الصور السلبية، يحتاج للكثير من الجهد الذاتي والجماعي. فالتخلص من الوعي الزائف عملية ليست سهلة على الإطلاق، دور وزارة التأمينات ليس فقط توفير السيارات المجهزة، والدعم المادي للتأهيل وفقط، بل تنسيق خطة شاملة لإزالة الحواجز البيئية والفكرية، لكن يبدو أن الوزارة تعمل بنفس منطق الجمعيات الخيرية، وليس بوصفها صاحبة المسئولية عن مجال الإعاقة الذي يحتاج لتغيير جذري وتعد الصور الذهنية للإعاقة من أكثر الأمور سلبية وتناقضا، وصورة العجز هي الأكثر انتشارا للأسف، وهي الصورة الأصعب، حيث تحجب قدرا كبيرا من الصورة الحقيقية، وقد سبق وكتبت هنا كثيرا عن ذلك، ولن آمل في تكرار أن الإعاقة فى الحواجز الفكرية والمادية التي تعيق الإنسان عن الحياة الطبيعية، وأن الاختلافات الجسدية أمر طبيعي بين البشر، لكن هذا التكرار لن يفيد بقدر المرور بالتجربة أو على الأقل رؤية جوانب أخرى من الصورة. أما التناقض فحدث ولا حرج، ويكفي أنه حتى الآن لا تستخدم الجهات الرسمية والأهلية المفردات الصحيحة في مجال الإعاقة، وقد تابعت خلال الأيام الماضية، حالة الغضب الشديد التي عبر عنها عدد من المشاركين في ملتقي «جسد» لدعم أسر ذوي الإعاقة، الذي أقيم بالمنطقة الشرقية برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية - حفظه الله - وقبل الخوض في سبب الغضب، تناول الملتقى 7 محاور تشكل القضايا الملحة في مجال الإعاقة، تجمع المحاور بين الجوانب النظرية والأكاديمية وبين الواقع المعاش للأشخاص ذوي الإعاقة، ويعد محور إمكانية الوصول والتهيئة من أهم المحاور على الإطلاق، وقد حظي بقدر كبير من اهتمام الباحثين والمشاركين، يعني ذلك أن الملتقى كان ناجحا على المستوى الفني، أي من حيث أهداف الملتقى، وخبرة المشاركين، لكن حالة الغضب التي انطلقت على موقع «توتير» كانت تعود لأسباب أخرى، فالقاعة التي احتضنت الملتقى، الذي يركز على التهيئة، لم تكن مهيأة لكل فئات ذوي الإعاقة، وقد عبر عن ذلك الأستاذ / خالد الهاجري، مسئول ملف الإعاقة بهيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية بقوله : «كيف تكون القاعة التي ألقيت بها ورقة عمل حول التهيئة غير مهيأة « ؟ وأعتقد أن إجابة السؤال ليست سهلة كما يتصور البعض، فالحقيقة أن الاهتمام بمجال الإعاقة قد زاد كثيرا خلال الأعوام القليلة السابقة، لكنه اهتمام يحوي تناقضا فكريا وواقعيا، فهناك قناعة بأن الإعاقة تكمن في الحواجز وليس الجسد، لكن هذه القناعة النظرية تتناقض مع الصورة الذهنية للعجز التي ترى الإعاقة في الجسد، فالصور الإيجابية غير موجودة بالقدر الكافِ لتحتل مكان الصور السلبية، والهدف الذي على المجتمع الوصول إليه في مجال الإعاقة، هو تغير الصور السلبية بإيجاد أخرى إيجابية، أي بإزالة الحواجز وتمكين ذوي الإعاقة من الاندماج في المجتمع. السلطة هنا دورها مركزي، لأنها القادرة على فرض القوانين، ودور وزارة التأمينات ليس فقط توفير السيارات المجهزة، والدعم المادي للتأهيل وفقط، بل تنسيق خطة شاملة لإزالة الحواجز البيئية والفكرية، لكن يبدو أن الوزارة تعمل بنفس منطق الجمعيات الخيرية، وليس بوصفها صاحبة المسئولية عن مجال الإعاقة الذي يحتاج لتغيير جذري.