لم يعد البحث عن الجنس في الصورة والفيلم يقتصر على الشباب والكبار من الجنسين كصورة فاقعة من الانحراف النفسي، بل امتد الأمر ليصبح هوساً طفولياً وادماناً لافتاً على المستوى العمري للمراهقين في مراهقتهم المبكرة، وهنا تكمن المشكلة بوصفها معضلة تربوية مزمنة ومؤثرة في جيل قادم. أتمنى ألا يفرط الآباء وتفرط الأمهات في الثقة باعتبار أن أبناءهم وبناتهم في معزل عن هذه الموجة الهادرة من التيار الجنسي الجارف. كما أنه وفي ذات الوقت ينبغي ألا يكون ديدننا جلد أطفالنا ومراهقينا بالاتهام والتجسس والشك والمراقبة المستمرة. أطفالنا ومراهقونا صار نضجهم مبكراً بطريقة تثير الدهشة والاستغراب، إذ إن ملامح هذا النضج بدأ يظهر بسنوات قبل العمر الزمني الذي من المفترض أن يكونوا فيه ومن خلاله وبعده ناضجون عقلا وجسماً، حيث مرحلة البلوغ التي تظهر فيها العلامات الجسمية والنفسية الفارقة بين مرحلتي المراهقة المبكرة والمتأخرة، حيث بداية الشباب لدى الجنسين، ولطالما فوجئ الأبوان في منزلهما وربما المربون في مدارسهم ببعض الممارسات والتصرفات ذات الطابع الجنسي الفاضح من أطفال ومراهقين لم يبلغوا الحلم بعد، وحين نقارن بين وقتين ونضع المشهد بين زمنين يظهر لنا الفارق الشاسع بشكل بالغ الوضوح بين الصورتين، ففي وقت مضى قد يفاجأ المراهق وتفاجأ المراهقة بعلامات ومظاهر البلوغ، فيظهر عليهما الارتباك والتساؤل عند المراهقين، ويظهر الخوف وربما البكاء عند المراهقات إلى أن يعلموا ويعلمن - بطريقة أو بأخرى - بأنها علامات طبيعية لمرحلة عمرية جديدة، ذلك التكتم الشديد فيما يتعلق بالتربية الجنسية الذي يعيشه المجتمع بكامله والأسر جميعها آنذاك جعل أجيالاً تمثل لهم تلك المرحلة العمرية الانتقالية بعبعاً ومثلثاً برمودياً مخيفاً لا ينجو منه ولا يتجاوزه من الجنسين إلا من عبر جسورا من المواقف بالغة الإحراج، فكم من مراهق استمر يؤدي العبادة وهو جنب لم يغتسل لجهله بهذا الأمر؟ وكم من صبية ظنت أنها مصابة بمرض مخيف جراء ما يعتريها من تغير هرموني شهري؟ الآن ونتيجة للضعف التربوي في الجنس كعلم وواقع خاصة من البيت أصبح أطفالنا في مهب الريح، وأصبحت القنوات الفضائية والألعاب الالكترونية في مرحلة معينة ثم برامج ومواقع النت في مرحلة تالية ثم أجهزة الاتصالات الذكية في المرحلة الراهنة مرتعاً خصباً في انحراف الأطفال في سني حياتهم المبكرة، وكم عانى الآباء من مشاهدة أطفالهم المشاهد المخلة في بعض القنوات حتى أن تشفير الآباء بعض القنوات لم يكن حلاً جذرياً قطعياً ؟ لقد استطاع الأطفال بسهولة فك تشفير تلك القنوات ومشاهدة ما يودون مشاهدته بعيداً عن رقابة الأهل، وكم من الألعاب الإلكترونية كانت مفخخة بمشاهد وألعاب فاضحة لم يكتشفها المربون إلا بعد أن بلغ السيل الزبى؟ وكم من مواقع النت التي تعد بمئات الملايين من المواقع الإباحية التي أفسدت جيلنا الجديد؟ أما أجهزة الهواتف الذكية فقد جعلت الطفل يشاهد ويحمل المشاهد ويرسل هذه المواقع من باب الاكتشاف الجديد من جهة ومن باب التفاخر بأنه أصبح رجلاً يعرف كل شيء من جهة أخرى ونظرة سريعة لمحتوى أي هاتف ذكي لأي طفل أو مراهق سيصيبك بالذهول. أتمنى ألا يفرط الآباء وتفرط الأمهات في الثقة باعتبار أن أبناءهم وبناتهم في معزل عن هذه الموجة الهادرة من التيار الجنسي الجارف. كما أنه وفي ذات الوقت ينبغي ألا يكون ديدننا جلد أطفالنا ومراهقينا بالاتهام والتجسس والشك والمراقبة المستمرة على أن ذلك ينبغي ألا يعفينا من دورنا التربوي في زرع الرقابة الذاتية في نفوسهم وإيضاح الخطأ من الصواب بأسلوب تربوي حكيم وبطريقة حوارية هادفة، ولكن - للأسف - نحن بين طرفي نقيض، فهناك من ترك الحبل على الغارب لأطفاله، وهناك من شدد وضيق عليهم، فكانت النتيجة انفصاماً حاداً بين المربين وبين جيل تضطرب نفسيته في بحر هائج من المتغيرات.