القصد هنا تحليل «نفسية» السوق المالية وليس المتعاملين معها؛ فالمتعاملون المحليون «كما عرفتم وذقتموا» والأجانب ممنوعون من التعامل رغم أن اقتصاديين في مصارف عالمية عدة يعتقدون أن سوقنا تملك كل المؤهلات لتصبح ضمن أفضل أسواق العالم أداءً إذا ما قررت الإطلال على العالم والانفتاح. لكن سوقنا تحافظ على مسافة آمنة بينها وبين الغرباء بل وحتى الأقرباء. وفوق ذلك هي سوق مفرطة الحساسية ذات مزاج خاص؛ فمن السهل أخذها للأسفل ومن الصعب دفعها للأعلى! خذ على سبيل المثال، السبت بداية هذا الأسبوع: سيعطيك كل محلل فني سبباً للقفزة البهلوانية لسوقنا المالية التي كانت للأسفل فأرهقت أكثر من 300 نقطة أضاعت صعوداً سلحفائياً استمر شهراً! وسيعطيك كل محلل سياسي أسباباً وأسبابا بدءا من سوريا والحرب الصائلة هناك وأفق اتساعها إلى هروب المستثمرين من صيفنا الحار، وكأن الحرب بدأت بالأمس أو أن الحَرّ أتى اعتباراً من هذه السنة! اليوم حديثي ليس عن السوق بل عن خجل السوق وإنزوائها عن إطلاق مبادرات تنعش المتحمسين للكسب معها؛ فهي كبيرة بل هي الأكبر عربياً ومع ذلك فهي زاهدة في تقمص أي دور اقليمي، هي فقط تريد ان تعيش بين «أهلها وذويها» ومن يرد أن يبني معها جسوراً فليأت إلى هنا وليقم ثم يفتح حساباً ويضارب! أما مستثمرو الخارج فتعاملهم مع سوقنا يتطلب إجراءات تتجاوز من يطلب إذناً للزواج من أجنبية، فبينهم وبين السوق عقد اتفاقات عابرة للبلدان. ولم يك أحد ليتساءل عن «خجل» السوق لو انها مازالت في بداياتها الأولى، فالتدرج مطلوب وليس الثبات والرتابة، أما سوقنا فما برحت منذ سنوات تدرس الانفتاح التدريجي على المستثمرين الأجانب. وبغض النظر عن نتائج تلك الدراسات فالسوق المالية السعودية تغرد خارج سرب اقتصادنا السعودي؛ فالاقتصاد منفتح على استيراد وتصدير السلع والخدمات وبل وحتى سوق العمل منفتح تماماً على استقدام العمالة وهي السوق التي تسعى الدول عادة لحمايتها وتقنين دخولها، كما أن المملكة حظيت بترتيب متقدم في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة عربياً وشرق- أوسطياً.. كل ذلك لم يحرك لسوقنا المالية ساكناً سوى الدراسة والتداول الداخلي، وبقيت تُراقب ما يدور حولها وتمارس دوراً رتيباً زاهداً. سيأتيك من يقول: كل هذا من تداعيات انهيار المؤشر في العام 2006، وهذه نقطة وجيهة لكن خطوات إعادة الحياة واستعادة الثقة تتطلب تطبيق حكمة «الحي يحييك والميت يزيدك غبنا»، فالقصد هو حيوية مستحقة ولعب دور يتناسب مع الاقتصاد وتطلعاته وإمكاناته وتوجهاته، ثم ان هناك زبائن يرغبون في الاستثمار فلما نمنعهم أو حتى نتركهم ينتظرون دهوراً؟ قد يهتف هاتف: «الأموال الساخنة»، أية أموال ساخنة؟ هذا أمر لا ينطبق، فشهرياً «نُسخن» فاتورة عمالة وافدة قوامها عشرة مليارات ريال و»نُسخن» كل شهر - في المتوسط طبعاً- خمسة مليارات لنسافر بها و»نكشت» في انحاء المعمورة..ثم يأتي من يقول «الأموال الساخنة»! ومع ذلك فقد أجترحت الأسواق حلولاً للتعامل مع الأموال الساخنة والمغلية حتى. بقي أن نضع الاشتراطات ونُخرج سوقنا من أزقة المضاربين و»الجروبات» والرقصة التي أدمنها المؤشر «حبة فوق وحبة تحت»، إذ لم توجد السوق «ليبرطع» فيها مضاربو شركات التأمين بل لتكون أداة لانجاز استراتيجية الخصخصة ولتوفير البديل التمويلي الأكثر رحابة لكسر اطباق البنوك التجارية. @ihsanbuhulaiga