تجدّدت اعمال العنف في وقت باكرٍ صباح أمس الاربعاء في تركيا، حيث لم يمتثل المتظاهرون لدعوة الحكومة الى وقف تحرُّكهم فيما يُشكّل اكبر تحدٍ يواجهه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان منذ وصوله الى السلطة قبل حوالي عشر سنوات. واستخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق مئات المتظاهرين الذين تجاهلوا التحذيرات ونزلوا الى الشارع فجر امس الاربعاء في كلٍّ من اسطنبولوأنقرة ومدينة هاتاي الجنوبية، حيث قتل متظاهر شاب الاثنين. وفي أزمير (غرب) أوقفت الشرطة ما لا يقل عن 25 شخصا باكرا امس بتهمة بث تغريدات على موقع تويتر تتضمن «معلومات مضلِّلة وكاذبة»، على ما ذكرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية. وكان نائب رئيس الحكومة بولند ارينج اعترف الثلاثاء ب»شرعية» مطالب المتظاهرين، وقدّم اعتذاره لسقوط جرحى مُبديَاً أسفه للاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع من قبل الشرطة، في بادرة أثنت عليها الولاياتالمتحدة. غير أن ذلك لم يخمِد غضب المحتجين الذين تجمّعوا بالآلاف في ساحة تقسيم في اسطنبول لليوم السادس على التوالي أمس الاربعاء ،متّحدين اردوغان الذي وصفهم في وقت سابق بأنهم «متطرِّفون» و»مثيرو شغب». وهتفت الحشود «مثيرو الشغب هنا! أين طيب؟» وهم يتّهمون اردوغان الذي فاز في ثلاثة انتخابات وطنية متتالية بالسعي لأسلمة النظام في هذا البلد الذي تدين الغالبية العظمى من سكانه بالاسلام غير انه يعتمد نظاما علمانيا. إلا أن الأجواء الاحتفالية التي سيطرت في ساحة تقسيم تباينت مع التوتر السائد في الايام الخمسة الماضية ،حيث ارتفعت انغام الموسيقى التركية المنبعثة من مكبراتٍ للصوت ،فيما كانت الحشود تصفِّق. ووقف حتى انصار فرق متنافسة لكرة القدم متحدين في الاحتجاجات. واندلعت موجة الاحتجاجات الجمعة بعدما استخدمت الشرطة الغازات المسيلة للدموع لتفريق متظاهرين كانوا يحتجون سلميا على مخطط لإزالة حديقة عامة في اسطنبول، وتحوّلت فيما بعد الى حركة احتجاج واسعة ضد سياسات حكومة اردوغان، عمّت عشرات المدن. واعلن ارينج الثلاثاء «أقدّم اعتذاري للذين تعرضوا للعنف بسبب تعاطفهم مع البيئة» مستثنيا من اعتذاراته «مثيري الشغب الذين الحقوا أضراراً في الشوارع وحاولوا إعاقة حرية الناس». وقال :»إن الحكومة استخلصت العبرة مما حصل» مضيفا: «لا يحق لنا ولا يمكن ان نسمح لأنفسنا بأن نتجاهل الشعب. الديمقراطيات لا يمكن ان توجد بدون معارضة». ودعا «المواطنون المسؤولين» الى وقف الاحتجاجات». وسقط قتيلان في المواجهات بحسب ما اعلن مسؤولون والفرق الطبية، فيما افادت مجموعات حقوقية عن إصابة الآلاف. وقدّرت الحكومة عدد المصابين بحوالي 300. واتهم اردوغان الذي وصل الى السلطة على رأس حزب العدالة والتنمية عام 2002، حزب الشعب الجمهوري، اكبر احزاب المعارضة، بالوقوف خلف التظاهرات. والقى اتحاد نقابات القطاع العام، احدى اكبر النقابات المركزية في البلاد، بثقله الثلاثاء في التحركات الاحتجاجية مُعلِناً عن اضرابٍ ليومين تضامناً مع المتظاهرين. غير أن المتحدث باسم الاتحاد باكي شينار لم يأخذ بتصريحات ارينج المهادنة وقال: «هذه الاعتذارات ليست سوى محاولة للحد من الأضرار وفقط لأنهم يعلمون أنهم في مأزق». من جهتها رحبت الولاياتالمتحدة باعتذار نائب رئيس الوزراء بعدما أبدت قلقها من الاستخدام «المفرط» للقوة. وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني: «نرحب بتصريحات نائب رئيس الوزراء الذي قدم اعتذارا على الاستخدام المفرط للقوة ،ونحن نواصل الترحيب بالدعوات الى إجراء تحقيق في هذه الاحداث». وانضمت الأممالمتحدة الى الولاياتالمتحدة وشركائها الغربيين الآخرين للتعبير عن قلقها للمعلومات الواردة بشأن اعمال عنفٍ ترتكبْها الشرطة، ودعت الى تحقيق مستقلٍ في هذه المسألة. وتعتبر تركيا التي تُعدُّ 75 مليون نسمة حليفاً استراتيجيا للولايات المتحدة في المنطقة ،وقد ساندتها بصورة خاصة في موقفها المعارض لبشار الأسد في النزاع الجاري في هذا البلد المجاور لها. وتتطلع تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي الذي يفرض على الدول المرشحة لعضويته الالتزام بمعايير صارمة في ما يتعلق بحقوق الانسان. ويتهم المعارضون اردوغان بقمع منتقديه من صحافيين وافراد الأقلية التركية والجيش، وبفرض سياسات اسلامية محافظة، فيما دعا رئيس الوزراء المحتجين الى التعبير عن اعتراضاتهم في صناديق الاقتراع السنة المقبلة.