شيء رائع أن تطرح وزارة الخدمة المدنية خطة استراتيجية للارتقاء بالموظف الحكومي وتحديث آليات الوزارة التي ظلت تعاني أعمالها الرتابة مدة طويلة من الزمن، والأجمل من ذلك أن تكون هذه الاستراتيجية معلنة للجميع وملزمة لقطاعات الدولة، وحينما اطلعت على التغطيات التي نشرتها الصحف حول اجتماع معالي وزير الخدمة المدنية الدكتور عبد الرحمن البراك الأخير مع مجلس الشورى لعرض الاستراتيجية كان لافتا أمران، أحدهما غير إيجابي: تمثل في سرية انعقاد الاجتماع واقتصار نشر الصحف على أخبار عامة وصور تكاد تكون متطابقة نقلتها وكالة الأنباء السعودية، وفي نظري من المهم في المرحلة المقبلة أن تتحول هذه الاستراتيجية غير المعلنة إلى النشر، ولتكن محور نقاش للمجتمع بأكمله علها تدفع نحو تبني ثقافة جديدة يساهم الإعلام والمثقفون وموظفو القطاع العام في إعادة صياغتها وتبنيها لتكون إحدى ركائز التنمية. تعزيز المحاسبة والتحفيز وتحسين الأداء، والموازنة بين حقوق الموظف وواجباته الوظيفية، يمكن أن يشكل العامل المحوري في تحقيق العدالة الوظيفية، وتحسين الخدمات الحكومية، والتعليم، وتقليل فرص الفساد الإداري، بل إن تحقيق محاسبة الموظف الحكومي سيسهم بشكل كبير في دعم جهود وزارة العمل في توظيف القطاع الخاص بشكل غير مباشرأما الأمر الإيجابي: فهو ما جاء في سياق الاستعراض المختصر - الذي نشرته الصحف - لما طرحته الاستراتيجية خاصة ما يتعلق بتعزيز المحاسبة والتحفيز وتحسين الأداء، والاهتمام بالجمع بين حقوق الموظف وواجباته الوظيفية، ولعل هذه النقطة وحدها يمكن أن تشكل العامل المحوري في تحقيق العدالة الوظيفية وتحسين الخدمات الحكومية والتعليم وتقليل فرص الفساد الإداري، بل إن تحقيق محاسبة الموظف الحكومي سيسهم بشكل كبير في دعم جهود وزارة العمل في توظيف القطاع الخاص بشكل غير مباشر، إذ إن أكثر المغريات للعمل في القطاعات الحكومية وأخطرها على جدية المواطن ونجاح التنمية ارتفاع معدل الفساد الوظيفي في القطاعات الحكومية، وأقصد بالفساد الوظيفي الذي هو نتاج لغياب آلية التقييم والتحفيز بحيث يستوي الموظف المنتج وغير المنتج، وأن تغيب سياسة الثواب والعقاب، وتتحول الوظيفة الحكومية إلى نوع من أنواع المعونات التي تدفعها مؤسسات الضمان الاجتماعي دون مقابل لسد فجوة البطالة على حساب الخدمات والتعليم والصحة والبيئة وكافة النواحي الهامة التي تمس حياة المواطنين، فضلاً عن كونها تزيد الاتكالية وتضعف إمكانات التوطين في القطاع الخاص، ما يؤخر مسيرة التنمية ويعطل مصالح الناس ويقلل جودة الأداء لهذه الوزارة أو تلك، وإذا قارنا سياسات الموارد البشرية في القطاع العام بين المملكة التي تعاني تضخما في هياكلها الوظيفية مع إنتاجية ضعيفة، بدول العالم المتقدم (وحتى بعض دول المنطقة) التي اعتمدت سياسات أكثر تقدماً في تخصيص خدمات الدولة نجد الفجوة الكبيرة التي ستستمر في الاتساع في اتجاهين التضخم (محلياً) في القطاع العام على حساب التوجه للقطاع الخاص مقابل الدول المتقدمة والأكثر نمواً، وكذلك ضعف وترهل الأداء للموظف القائم على الخدمات العامة لغياب الحوافز مقابل سعي نظيره في الخارج لتحقيق المستهدفات للحصول على العلاوات والحوافز الأخرى، وكي لا تحمل الخدمة المدنية ما لا تحتمل فإن على الوزارات الخدمية وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة ووزارة الشؤون البلدية والقروية وغيرها من الوزارات أن تبادر باقتراح سياسات ولوائح عمل جديدة تحفز للإنتاجية، وتحاسب المستهترين ومستغلي النفوذ وفق لائحة عقوبات منطقية، وفي الوقت نفسه لابد من إشاعة مبدئ الحوافز الوظيفية والترقيات المبنية على الأداء بدلاً من اعتماد الأقدمية كمعيار للترقي، وبقدر ما يجب أن نوفر للموظف المجتهد الأمان الوظيفي الكافي، يجب ألا يتم التساهل مع الموظفين الذين لا يحققون الحد الأدنى المطلوب في الوظيفة ناحية الأداء، أو الحد الواجب تطبيقه من الأنظمة والأخلاق العامة وقيم المجتمع.. تحياتي. Twitter: @mesharyafaliq