تنفق الدولة انفاقاً كبيراً على تطوير الموارد البشرية (نصف الميزانية يذهب لهذا البند)، أما الانفاق على المشاريع فقد وصل إلى مستويات قياسية متتالية خلال السنوات الماضية، مما عرضتُ له في هذا الحيز مراراً. ومع ذلك فثمة معضلة أمام تحدي التنمية: كيف نطمئن أن وتيرة الانفاق الحكومي العالي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين مستوى المعيشة. والأمر ليس معضلة كله، فعلى المدى المتوسط والطويل سيستفيد جميع أفراد المجتمع من المعطيات التنموية، أي من التحسن في الخدمات الصحية بزيادة عدد المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية وزيادة عدد المستشفيات المتخصصة، ومن زيادة عدد المدارس الحكومية والارتقاء بالعملية التعليمية وتطوير التعليم. كما سيستفيد أفراد المجتمع من تحسن الخدمات البلدية واكتمال والارتقاء بشبكة الطرق والتحسن في خدمات النقل العام داخل وفيما بين المدن.. كل هذا لا غبار عليه، لكن الغبار كله على عبارة «في نهاية المطاف»؛ فهناك أسر لا تقوى على الانتظار للمدى الطويل ولا حتى المتوسط. والحديث هنا ليس عن الأسر التي ليس لها عائل، فهذه الشريحة مغطاة من خلال برنامج الضمان الاجتماعي، لكن الحديث عن تلك الأسر التي لديها عائل لكن دخله لا يوفر «بحبوحة» نسبية للأسرة بل تعيش في ضنك وعوز، وبالتالي لا تستشعر الأسرة تحسناً في مستوى معيشتها. هنا تبرز أهمية التمعن والتفطن في تقديم «إعانة اجتماعية» للأسر التي على خط التماس، من باب تحفيز رب الأسرة أن مكابدته لتدبير حياة كريمة لأسرته محل اهتمام المجتمع. وبالتأكيد لن ينظر بعض «مناهضي الدعم الاجتماعي» بارتياح للمقترح، لكن هذا الدعم لا يفرق في قليل أو كثير عن مقترح «اقتسام الأجر» بين صندوق تنمية الموارد البشرية ومؤسسات القطاع الخاص من باب تشجيعها على توظيف السعوديين والسعوديات، فإن وظفت سعودياً ودفعت له 2000 ريال مثلاً يدفع الصندوق مثلها وبذلك يصبح أجر السعودي 4000 ريال. ما أقوله: لماذا لا يدفع القطاع الخاص للسعودي 4000 ريال فيما يدفع الصندوق -فوقها- للموظف 2000 فيصبح راتبه 6000 ريال؟! هذا يضعنا وجهاً لوجه أمام سؤال: هل المطلوب أن يذهب ما يقدمه صندوق دعم الموارد البشرية إلى الموارد البشرية أم لمنشآت القطاع الخاص؟! وليس القصد من المقترح إلقاء العبء على صندوق تنمية الموارد البشرية فهو حالياً مثقل بالأعباء والمبادرات التي ساهمت في تحريك الماء الراكد في بحيرات عدة في سوق العمل السعودي، لكن ذكرت المثال لأقرب الفكرة. أما المقترح فلعله يفعل من خلال مبادرة اجتماعية يمكن تسميتها «صندوق تحسين المعيشة» بحيث يقدم هذا الصندوق دعماً شهرياً للأسر التي لديها دخل راتب لكنه يكاد أن يلامس خط 3000 ريال، وتعتمد قيمة الدعم على عدد أفراد الأسرة وأعمارهم. ويرتكز الصندوق على رؤية تحفيزية في الأساس مرتكزها التشجيع على العمل، بمعنى أن من يعمل لا يجب أن يكون مأسوراً بأنه سيفقد دعم الضمان الاجتماعي أو حتى مكافأة حافز، إذ انه سيحصل -من خلال الصندوق- على دعم نقدي أعلى قيمة وأطول مدى. هكذا، تتحقق «البحبوحة» للأسر الملامسة لخط الفقر، ونشجع القادرين على العمل لقبول الفرص التي تعرض عليهم بحماس إذ أنها ستجلب لهم المزيد من الدخل.. وفوق هذا كله سيجسرّ الصندوق وصول ثمار التنمية والانفاق القياسي لأيدي مواطنين ليحققه في مدى قصير دون تأخير ودون أن يتأثر بتعثر مشروع هنا وتأجيل مشروع هناك، وسيؤدي كل هذا لتحقيق قفزة في مستوى معيشة شريحة لم تقنط بل تكد لكسب قوت يومها.. توتير: @ihsanbuhulaiga