بعد القرار الحكيم من حكومة المملكة العربية السعودية بإيقاف المساهمات العقارية والتي كانت عبارة عن برامج مالية عقارية غير منظمة التنظيم اللائق و في ظل غياب الرقابة على تلك المساهمات والذي أدى إلى تحول قسم كبير منها إلى أدوات جمع أموال من قبل غير محترفين أو مؤهلين علمياً أو عملياً لإدارة النقد، وهو ما أدى إلى ضياع الكثير من الاستثمارات المالية بسبب سوء الإدارة أو الاختلاس العمد. ومن أهم أضرار تلك المساهمات على صناعة العقار السعودي هي تركيزها على مشاريع شراء قطع الأراضي الضخمة و من ثم تطوير البنية التحتية لها بشكل بدائي و بيعها بالجملة إلى المستثمرين العقاريين الذين يبيعونها إلى المستخدم النهائي أو مستثمر آخر، كما أتاحت المساهمات العقارية بيع وشراء نفس العقار دون حتى تطويره وهذا ما دفع أسعار الأراضي العقارية في المملكة إلى حد الجنون مدعوماً بسوء تخطيط و ضوابط غير واقعية سمحت بالتوسع الأفقي، الأمر الذي أرهق المرافق الخدمية و قصّرت في تقديم الخدمات الأساسية لكثير من الأحياء المأهولة من ماء وكهرباء وصرف صحي ... إلخ. لكل ما ذكر، جاء قرار المنع لتلك المساهمات تمهيداً لوضع قانون جديد ينظم العلاقات المهنية و المالية بين أطراف الاستثمار العقاري. في منتصف شهر يوليو لعام 2006م أصدرت هيئة السوق المالية السعودية لائحة صناديق الاستثمار العقاري، والتي حوت القوانين و الضوابط لعملية جمع الأموال بغية استثمارها في مشاريع عقارية، واحتكرت تلك اللوائح عملية جمع و إدارة الأموال على الشركات الاستثمارية المرخصة من قبل هيئة السوق المالية. استقبل ملاك ومطورو العقار تلك اللائحة بكثير من الاستهجان بينما لم تعر الشركات الاستثمارية بشكل مجمل تلك اللائحة الكثير من الاهتمام لما كان عليه سوق الأسهم السعودي من توهج وتمركز للأنظار. وبعد الأزمة المالية العالمية، و ما حدث من شبه تجمد لحركة الاستثمار ومسار النقد في المملكة العربية السعودية والانكماش في استراتيجيات الاستثمار والعودة إلى الخطوط الدفاعية، وبعد العجز الكبير في الوحدات العقارية في المملكة و تعلق الناس بالعقار كملاذ استثماري آمن، بدأت الأنظار تتجه إلى الاستثمار العقاري من قبل الشركات الاستثمارية بشكل متحفظ نوعاً ما لبعضها و بشكل ريادي لبعضها الآخر. ويبقى السؤال هنا: هل تستطيع الصناديق العقارية بتنظيمها الدقيق ولوائحها الصارمة تحقيق الغاية التي وضعت من أجلها وهي تمويل المشاريع العقارية وتسهيل استثمار الفرد في تلك المشاريع والنهوض بصناعة العقار في المملكة بما يخدم المواطن بالدرجة الأولى؟ إن الصناديق العقارية بشكل عام ما هي إلا وعاء استثماري أو هيكل قانوني يجمع أموال المستثمرين ويضخها في مشروع عقاري بغية تحقيق عوائد مالية مجزية من خلال تطوير قطعة أرض أو تشغيل مبنى أو أي شكل آخر من أشكال المشاريع العقارية الممكنة، وبذلك يعتبر الصندوق مالكاً للمشروع يستحق نصيبه من الربح بقدر مشاركته في رأس المال، وهذا المبدأ يختلف تماماً عن مبدأ التمويل البنكي الذي يفرض نسبة فائدة محددة على أصل القرض لا تتأثر بعوائد المشروع ولا تشارك مالكه فيها وهو ما يجعلها أفضل وسيلة لتمويل المشاريع بشكل عام ومشاريع العقار بشكل خاص ضمن الظروف الطبيعية حيث يرفع التمويل البنكي مؤشرات الربحية للمشاريع العقارية بنسبة تعتمد على حجمه. وفي ظل التجافي بين المؤسسات البنكية والقطاع العقاري في المملكة والسبب في ظني يعود إلى استحواذ القطاع العقاري لمدة طويلة من الوقت من قبل أفراد ومؤسسات يفتقر معظمها إلى الثقافة الاقتصادية في فهم أهمية التمويل البنكي والهندسة المالية للمشاريع العقارية التي تحتم تنويع مصادر التمويل لرأس المال ما بين تمويل مباشر ذاتي وتمويل بنكي وبيع على الخارطة وغيرها من أساليب التمويل المتعددة، هذا بالإضافة إلى تقاعس المؤسسات البنكية عن الخوض في غمار هذه الصناعة وذلك لعدم وجود نظام رهن عقاري يضمن لتلك المؤسسات حقوقهم المالية مما يجعل المخاطرة في تمويل هذا المجال غير محسوبة. كل ذلك دفع المشاريع العقارية للاعتماد الكلي على الاستثمار المباشر وتمويل رأس المال من قبل المستثمرين وهم المساهمون في ما سميت المساهمات العقارية وهذه بالطبع أحد المسببات في ارتفاع أسعار العقار عبر السنين وذلك لارتفاع تكلفة تمويله. كل هذه المعطيات تدفعنا إلى الاعتقاد بأن صناديق الاستثمار العقاري هي أفضل الحلول المتاحة لتمويل المشاريع العقارية في الوقت الراهن، وإذا واكبت هيئة السوق المالية السعودية دول العالم في تحديث وتطوير أنظمتها ولوائحها بما يخدم السوق العقاري المحلي، فأعتقد أن مستقبلاً مشرقاً ينتظر هذه الآلية الجديدة لتمويل المشاريع العقارية وإلا فإنه سيتم وأدها في مهدها فور صدور نظام الرهن العقاري ... وللحديث بقية نستعرض فيها بعض ما استحدثته وما أهملته لائحة صناديق الاستثمار العقاري كما سنستعرض بمشيئة الله بعض التجارب العالمية في هذا المجال ونتائجها الملموسة ونسقطها على الوضع القائم في المملكة بمعطياته وتحدياته. عضو الجمعية السعودية لعلوم العقار [email protected]