كنَّا ذات يوم أمام مطعم شهير بانتظار أن يفتح أبوابه بعد انتهاء صلاة العصر، وكنّا نُراقب فيها طفلاً في عمر السَّابعة، لم يترك شيئاً ملقى على الأرض إلّاَ ورَكَله، ولا ورقة على باب المطعم إلا مزَّقها، كان يركضُ ويصرخُ، وينطُّ من مكان لآخر.. تاركاً وراءه كَارثةً صغيرة. من حِكمة ربِّ العالمين أنَّه لايُمكننا أن نَختار بأن يكون طفلنا سليماً ومُعافى، أو أن يكون مصاباً بمرضٍ أو اعاقة ما، لكنني تعلمتُ من خلال تخصُّصي أن لا أحكم على الأطفال من أول نظرة، خاصة أنني في هذه اللحظة مجرَّد (زبونة) أرغب في طلب آيسكريم (ماك فلوري) المدمِّر.. وأمضي. علينا أن نُحني رأسنا نحن أيضاً، ليس فقط كي تمرَّ العاصفة، إنَّما احتراماً للقَدر والاحراج والتَّعب الذي يعيشه غيرنا، بينما نحنُ في مأمنٍ وراحةٍ منه. قد نتمكَّن من السَّيطرة على نوبات الغَضب التي تَشتدُّ على الأطفال العاديين في الأماكن العامة، إنَّما حين يكون هذا الطفل مُختلفاً أو توحُّدياً مثلاً فإن التصرُّف السليم غالباً لا يمكن التَّنبؤ به، وحين تبدأ تلك النَّوبة يصبح الطفل بحاجة لمساعدة كبيرة من قبل الأهل للسَّيطرة على نفسه، لأنه لم يعد قادراً على ذلك. من المفترض أن آباء هؤلاء الأطفال هم وحدهم الذين يقرِّرون شيئاً من الاثنين في تلك النَّوبة، إمّا أن يثبتوا في مكانهم ويتأكَّدوا أنهم قادرون على التصرف، أو يصبح من الحِكمة أن يغادر الأبوان مع طفلهما المكان حتى لا يصبح ذلك تعدِّياً على مزاجات الآخرين ونزهاتهم. ولهذا ربما قررتْ أمُّ ذلك الطفل الثبات حتى تفتح أبواب المطعم بعد أداء الصلاة، رغم أن أغلب العمالة بالداخل لم تكن تصلّي، -وهذا أمرٌ آخر لا أرغب في الدخول فيه- ، لكني أعجبتُ بالأمّ جداً حين التفتتْ فجأة نحو المنتظرين وقالت: «ولدي يعاني من فرط حركة، أنا أعتذر، لأنَّه لا يُطيق الانتظار» اختارت أم الطفل أن تُحني رأسها للعاصفة حتى تمرّ، أن تثبت حتى تنتهي الصلاة، ويبدو أنَّها كانت تُصلّي داخل نفسها بأن يمرَّ الوقتُ سريعاً، وأن يحمي ابنها من أيِّ سوء. إذا كان الصَّبر ميزة الأهالي الواعين، فإن التفهّم هو مسؤوليتنا جميعاً، حيث لا يُمكننا كأشخاص طَارئين على حياة هؤلاء العوائل أن نكون متعجِّلين في شفاء طفل أزعجنا للحظات، أو حتى لساعات، علينا أن نُحني رأسنا نحن أيضاً، ليس فقط كي تمرَّ العاصفة، إنَّما احتراماً للقَدر والاحراج والتَّعب الذي يعيشه غيرنا، بينما نحنُ في مأمنٍ وراحةٍ منه. Follow me: @hildaismailr