لو قيل ان وزيراً في المملكة العربية السعودية يذهب للديوان الملكي بسيارته «الوانيت»،و أن هذا الوزير لا يركب الطائرة إلاّ على الدرجة السياحية،وأنه لا يسكن قصراً فاخراً،يملأ ردهاته الخدم والحشم ،و يحيط به الحرس،وإنما يسكن شقة تتكون من غرفتين ومطبخ لرد السامع على الفور:عيييييد ..يخرب بيتك عيد! إذ كيف لوزير في دولة من أغنى دول العالم،تحيط به المغريات من كل الجهات،ومظاهر الترف وملذات الحياة المرفهة التي تجحظ لها العيون،كيف يستطيع أن يتخطى كل هذه الأشراك الدنيوية وهذه المغريات زاهداً بها متعففا عنها؟! ذلك أمر أقرب للخيال! ولا يكاد يصدقه عاقل،خاصة إذا كان يرى كل من حوله من الناس يلهثون ليل نهار من أجل الحصول على مزيد من حوائج الدنيا ومتاعها. أمر أقرب للخيال..في وقت ترى فيه كثير من المسئولين الحكوميين على اختلاف درجاتهم يفعلون كل ما في استطاعتهم لإضافة سلك آخر من الذهب يطرزون به «بشوتهم» الغالية،أو إضافة مبلغ آخر إلى أرصدتهم المتخمة في البنوك،أو إضافة خبر عنهم في وسائل الاعلام! أمر أقرب للخيال..أن تجد من يزهد بهذا كله،وهذا كله بين يديه ورهن أشارته! أعطاه الملك فهد بن عبدالعزيز «رحمه الله» عشرة ملايين ريال،ليشتري بها بيتاً خاصا به،وكان ذلك المبلغ في حينها كافياً لبناء قصر من أفخم القصور وأجملها،فتبرع بكامل المبلغ لأعمال الخير وبقي في شقته المتواضعة البسيطة إلاّ أن هذا الخيال كان حقيقة ماثلة إلى قبل أيامٍ قليلة، حقيقة رحلت برحيل الشيخ صالح الحصين رحمه الله. حمل لقب معالي قرابة الأربعين عاماً،فصعد به سمواً إلى العلى بقدر تواضعه،بينما حمل كثير غيره هذا اللقب لفترة أقل من ذلك بكثير فهبط بها إلى قاع الحضيض! سيرة الشيخ صالح الحصين والقصص التي تحكى عنه تمس شغاف القلب،وتملأ الأحداق بالدموع من عظمتها، ليست قصة «الوانيت» والدرجة السياحية والشقة التي كان يسكنها سوى فيض من غيض زهد ذلك الرجل وبساطته وتواضعه وورعه. كان وهو الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي إذا ما ذهب للصلاة في الحرم المكي يتأبط حذاءه ويدخل في زحمة المصلين ويصلّي بينهم في صحن الحرم وليس خلف الإمام في الصف الأول محاطا بالعسكر والحرس! أعطاه الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله عشرة ملايين ريال،ليشتري بها بيتاً خاصا به،وكان ذلك المبلغ في حينها كافياً لبناء قصر من أفخم القصور وأجملها،فتبرع بكامل المبلغ لأعمال الخير وبقي في شقته المتواضعة البسيطة! أُرسل مندوب من مجلس الوزراء إلى مزرعة الشيخ صالح الحصين لاستدعائه لاجتماع عاجل،فرأى المندوب رجلا صاعدا على سلّم ويقوم بطلاء المنزل الصغير في المزرعة فظنه عاملاً بها،فنادى عليه وأخبره أنه يريد لقاء معالي الوزير لأمر عاجل،فاكتشف أنه يخاطب معالي الوزير نفسه! كان إذا ما سافر لمهمة لا يفعل كما يفعل من هم دونه مكانة وعلماً وأهمية،حيث يحملون حقائب عدة،بعضها للملابس،وأخرى للأحذية،وأخرى للإكسسوارات،كان رحمه الله لا يحمل حقيبة،إنما كيس به غيار واحد أو اثنان! وإذا نزل المطار يترك مستقبليه في صالة استقبال كبار الشخصيات،ويخرج إليهم من صالة عامة المسافرين!وإذا أراد مسكنا لا يبحث عن أرقى الفنادق وأفخمها،وإنما يسكن عند أحد الدعاة من أصحابه ويعطيه أجرة السكن ليساعده في أعمال الدعوة! أكثر ما يدهشني فيما يحكى عن الشيخ صالح الحصين رحمه الله هو: كيف استطاع أن يبقي على ورعه وزهده طوال السنوات التي قضاها في خضم كل تلك المغريات؟! أي نفس بشرية عظيمة كانت تستقر بين جوانحه؟! وهل يتخذ بعض هؤلاء الذين نسجت عليهم العناكب خيوطها وهم قابعون على كراسي المسئولية،مغرورون بما أوتي لهم من جاه قدوة صالحة من ذلك الشيخ الجليل؟! رحم الله الشيخ صالح الحصين رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.