كشف عقاريون عن تراجع أسعار الأراضي في المنطقة الشرقية بنسبة 15 بالمائة خلال الأسبوعين الماضيين نتيجة إصدار الأوامر الملكية الأخيرة والتي من بينها نقل المنح الى وزارة الإسكان والإعلان عن برنامج نظام (قرض وأرض). وأكد عقاريون أن خطر "تدوير الأراضي" الذي كان يتم بين مجموعة من العقاريين في المملكة وخصوصا المنطقة الشرقية بدأ يتجه نحو الزوال، مبينين أنه في الوقت الحالي بدأ الكثير من التجار وسماسرة المزادات والمكاتب العقارية تصريف عدد كبير من الأراضي المحتكرة خوفا من إقرار فرض الرسوم خلال الأيام القادمة، واستمرا هبوط الأسعار وقال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد القحطاني إن ظاهرة تدوير الأراضي نشأت بسبب غياب الرقابة والقوانين الصارمة، وكذلك عدم اتضاح الرؤية التي أوجدت سلوكيات غير قويمة مثل ارتفاع أسعار العقارات والسلع الغذائية وانتشار السلع المغشوشة وخداع المستهلك،وانخفاض الصادرات غير البترولية وسيطرة الأجانب على المشروعات الصغيرة التي هي من حق الشباب السعودي. وأوضح القحطاني أن تدوير الأراضي سواء كان داخل المخططات العمرانية أو في ضواحي المدن سببه المزادات العقارية التي يستوجب على وزارة الإسكان إيقافها مباشرة وألا تطرح إلا بموافقتها وتحت إشرافها، مطالبا الوزارة الوقوف أمام حيل تجار العقار الذين هم رجال أعمال فاسدون لأنهم لم يكونوا كيانات اقتصادية تخدم الوطن والمواطن وإنما أسهموا بتخريب سوق المملكة العقاري وحرمان المواطن من حق السكن من خلال رفع السعر واحتكار الأراضي البيضاء. وعن حماية الأراضي من التدوير وارتفاع الأسعار، قال القحطاني "يجب أن تكون مسجلة بنظام إلكتروني يمكن الإطلاع عليه من قبل الجهات المسؤولة، وأن تكون هناك رسوم على المشتري والبائع في حالة البيع لأن هذه الأراضي تشكل نسبة بنحو 60 بالمائة من مساحة المنطقة، أما بخصوص ارتفاع السعر فإنه يجب على وزارة العدل والمحاكم عدم نقل الملكية باسم المشتري بارتفاع كبير فإذا كان سعرها بمليون ريال فإنه يجب أن يمر عليها سنة كاملة وإذا أراد صاحبها بيعها بعد هذه المدة يجب ألا تتجاوز الزيادة في السعر 10 بالمائة، وكذلك أخذ تعهد على المشتري بأن يعمر الأرض بأقصى وقت ممكن حتى لا تدرج الأرض في سوق التدوير وأشار عضو هيئة التدريس بقسم المالية والاقتصاد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وعضو مجلس إدارة شركة سمو العقارية الدكتور إبراهيم القحطاني إلى وجود ممارسات سيئة في السوق العقارية منذ فترة سواء كانت تدوير أراضي من خلال المزادات أو بعدها أو حتى في المبايعات العادية، ولكن الدولة أوجدت لهذه التجاوزات حلولا عدة وبدأت العمل عليها كالبرامج التمويلية والأوامر الملكية التي صدرت لإسكان المواطنين. وأوضح القحطاني أن التسجيل العقاري يكون إما عن طريق الأفراد أو عن السجل العيني الموجود بالدول الأخرى مثل مصر بحيث تكون هناك وثيقة ثابتة ويتم تحديثها في كل فترة، أما بالنسبة لطرح سعر محدد للأراضي في المزادات العقارية فإن سبب ذلك يعود إلى أن المساهمين هم أصحابها الأصليون ومن مصلحتهم البيع بسعر مرتفع. وقال إن نظام فرض الرسوم على الأراضي البيضاء ليس بجديد، فهو مطبق في دولة الكويت وقد أسهم في تراجع الأسعار إلى نسبة 12 بالمائة، لذلك فإن تطبيق الرسوم سيصحح كثيرا من الأوضاع، ولكن الأهم من ذلك هو زيادة المعروض أمام المواطن وبيعه بسعر مناسب وأضاف المطور العقاري فيصل الزهراني أن التحايل يتم في المخططات الخارجية أكثر من الأراضي الموجودة داخل النطاق العمراني من أجل تحقيق أسعار بمستوى عال، ولكن التحرك الحكومي الأخير بدأ بالقضاء على ظاهرة التدوير، وكذلك جعل الأسعار تتراجع مباشرة بعد قرار (أرض وقرض) حيث وصل متوسط السعر للمتر المربع بآخر مزاد بالمنطقة الشرقية إلى 600 ريال للمتر الواحد وهذا أول تراجع له بعد أن كان يباع خلال الخمس سنوات الماضية بألف ريال ، إضافة إلى انخفاض أسعار الأراضي في الضاحية بحوالي 70 ألف ريال، وقال " لو استمر الانخفاض على نفس الوتيرة ستتراجع الأسعار بنسبة 50 بالمائة خلال وقت قياسي"، وهذا الأمر بلا شك يعتمد على مدى جدية وزارة الإسكان بسرعة تطبيق القرارات الملكية الخاصة بالسكن ، كما أكد قائلا " تراجعت أسعار الأراضي بالمنطقة الشرقية في أسبوعين بنسبة 15 بالمائة فالقطعة التي كانت تباع ب 500 ألف ريال أصبح سعرها حاليا ب 420 ألف ريال"، وأيضا دفعت القرارات الملكية العقاريين والشريطية الذين يعملون بالمضاربات بالوقت الحالي إلى تصريف كل ما يمتلكون من أراض خوفا من عدم مقدرتهم على دفع الرسوم الحكومية في المستقبل القريب واستمرار هبوط الأسعار. وطالب الزهراني وزارتي الإسكان والعدل بسرعة التنسيق فيما بينهما لإيجاد رابط إليكتروني يكشف عدد إفراغات الأراضي بين الأشخاص بهدف منع التدوير والقضاء عليه، ومراقبة المزادات العقارية، إضافة إلى الإسراع في إقرار الهيئة العليا للعقار من أجل تنظيم السوق وقال الخبير العقاري عادل الدوسري: إن الهدف من عملية تدوير الأراضي البيضاء بين التجار هو جذب المشترين بأسعار مخطط لها سواء كانوا أفرادا أو مستثمرين آخرين، وذلك لتحريك السوق والتوضيح بأن السوق العقارية السعودية جيدة ووضعها طبيعي جدا،إضافة إلى إيهام الجهات الحكومية بأن المواطن قادر على الشراء حتى وإن كانت أسعار العقارات مرتفعة جدا، مؤكدا أن من أسباب قيام التجار بإيصال أسعار الأراضي إلى السقف من خلال التدوير فيما بينهم اعتقادا بأن الدولة ستشتري هذه القطع منهم في يوم ما بالأسعار الحالية. وأوضح أن المزادات العقارية التي تقام بين حين وآخر أسهمت كثيرا في ارتفاع معدل التدوير لأن المخططات يتم بيعها بين التجار بدون دفع مبالغ وإنما التوقيع فقط على أوراق ثبوتية من أجل سعر مستهدف وفي الأخير يتم توزيع الأرباح فيما بينهم، كما أن المعارض العقارية أسهمت أيضا بإيهام المواطن بأن الأسعار المبالغ بها هي أسعار حقيقية للمنتجات العقارية، وخروج 70 بالمائة من المساهمات المتعثرة من رحمها. وطالب الدوسري بتعجيل إقرار نظام فرض الرسوم على الأراضي غير المعمرة بهدف الاستثمار لأنها عائق أمام التنمية، وكذلك دخول البنوك في شراكة مع أصحاب الأراضي الذين لا يملكون المبالغ الكافية للبناء من أجل تقديم منتجات عقارية تفيد المواطن من جهته أوضح الخبير الاقتصادي عبدالحميد العمري أن الأزمة الإسكانية في السعودية ظلت تشتعل نيرانها عاماً بعد عام، والذي تمَّ التحذير من مخاطرها طوال تلك الفترة، ولكن بلا جدوى حيث وقع الأغلبية في فخِّ عمليات التدوير المضللة للمساهمات باعتراف بعض روّاد القطاع العقاري أخيرا، وأن أغلبية تلك المساهمات بملايين الريالات منفردة التي لا تمر ساعة على بدئها إلا وقد تم بيعها بالكامل، ولم تكن سوى تمثيلية مزيفة ومضللة، أراد مؤلفوها زرواً وبهتاناً إيهام المجتمع والجهات الرقابية بقوة الطلب المحلي الناتج على القدرة المالية المرتفعة لدى الأفراد، ومن ثم فلا حاجة إلى أي تدخل من الدولة، بينما في واقع الحال لم تتعدَّ تلك العمليات المضللة محيط (الدبابير) التي تواطأت على تنفيذها بالتنسيق المسبق بين أقطابها ومجموعة محددة من قروبات المتاجرة بالأراضي. وقال في رأي صحفي "زاد من وقع الكارثة تجنيد العديد من الكتاب والإعلاميين لتأييد وتضخيم تلك العمليات المضللة، وأنها نتيجة الرخاء الاقتصادي والمادي الذي ينعم به أغلبية الأفراد في مجتمعنا، إضافة إلى تولّيها الهجوم على أية آراء تطالب بسرعة تدخل الدولة بالأدوات التي تم ذكرها ، والتي تبنتها وزارة الإسكان أخيراً، فالأزمة الإسكانية وغيرها من الأزمات والتحديات الاقتصادية الأخرى التي يواجهها اقتصادنا، لم تكن سوى نتيجة مفجعة لحالة التشوهات الهيكلية التي تتغلغل في جسد الاقتصاد السعودي، والتي عجزت بكل أسف السياسات الاقتصادية الراهنة (المرسومة منذ أكثر من أربعة عقود مضت) في حلها، بل إن بعضها قد أدى بأسف أكبر إلى تفاقمها واتساع نطاقاتها حيث كان من أخطرها عدم القدرة على خلق مشاريع إنتاجية تعزز من القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، التي بدورها ستفتح المزيد من القنوات الاستثمارية في الداخل، لتمتص من جانب الفوائض المالية والثروات التي حبا الله بها اقتصادنا، ومن جانب آخر لتتشكل لدينا مشاريع محلية عملاقة تسهم في توظيف شباب وبنات الوطن في فرص عمل، تتسم بارتفاع نوعيتها ومستوى دخلها، ولكن لم يحدث أي من كل هذا أو حتى بعضه، فجاءت النتائج كما شهدنا طوال العقود الأربعة الماضية ونشهده في الوقت الراهن، وحدث أن تحولت الأرض من أصل إنتاجي يجب توظيفه في المصلحة العامة إلى سلعة محتكرة تم توظيفها لمصلحة مجموعة ضيقة جداً من الأفراد فجاءت الأزمة الإسكانية.