أحب سماع فيروز صباحاً، ولعلي تشربت هذه العادة منذ الطفولة عندما كان راديو دمشق ينثر أغانيها صباحاً فتتلقفها الدكاكين تباعاً عبر الأزقة والطرقات والشوارع وفي الميادين والمقاهي.. وقبل أسابيع قليلة، كنت في الرياض أقضي ليلة الخميس مترقباً اجتماعات اليوم التالي فصادفتني مقابلة للموسيقار زياد الرحباني على قناة إم بي سي مصر. ورغم مكانة فيروز في نفسي وتقديري لعبقرية زياد وموسيقاه إلا أن اعجابي بمن تدير الحوار الاعلامية منى الشاذلي كان عظيماً؛ إذ كانت تلقي عليه أسئلة من الوزن الثقيل بلغة خفيفة وابتسامة رونقها ذكاء. أما زياد فكان يجيب بالفم المليان وبوضوح بارد. الحديث بينهما تنقل عبر عقود زمنية ممتدة بين السلم والحرب، وفي لبنان وخارج لبنان، وفيروز والرحابنة.. لكنه أخذ حديث زياد رحباني مع منى الشاذلي فقد عبر بمرارة عن سنوات ضاعت في اقتتال الطوائف في لبنان في حرب أهلية أهدرت جيلاً من اللبنانيين ورمت لبنان منهكاً محتلاً منقوص السيادة. وها هي حروب الطوائف تزدهر في بلاد العرب وعلى مراحل متفاوتة منها من قطع أشواطاً فوصل للاقتتال والتذابح ومنها ما برح في مرحلة «التسخين» والتأجيج الاعلامي. ما أكثر هذرنا؛ ليل نهار نردد: العاقل من اتعظ بغيره، ثم نمرّ على مآسي حرب أهلية طائفية أعادت لبنان قرناً للوراء ولا نلتفت إلا لأغنية «عودك رنان دقائق في الحديث عن أغنية «عودك رنان» التي غنتها فيروز تحية لعازف عود اسمه علي، وكيف أن مجرد أغنية أخذت تلفها اسقاطات طائفية وإغراق واسهاب في التحليل من قبل المتلقين. أخذت أفكر: أي فراغ عشناه بأن اجترحنا اسقاطات طائفية من أغنية؟! ثم ما لبثت أن عدت بالذاكرة للواقع المعاش الذي تجاوز أغنية فأصبحت المجتمعات العربية تنبعج وتتفتت مستمتعة أو لعلها مستمرئة الاستقطاب والتمترس الطائفي! ولما الاستغراب؟ فعلى الرغم من أن الجميع يقدح في الطائفية السياسية إلا أن المؤشرات تصرخ بأنها تعايش أمجاداً غير مسبوقة؛ فبالاضافة للبنان فنظام الحكم في العراق مُهيكل على أساس طائفي والبداية كانت عندما زرع بريمر البذرة بتأسيسه أول مجلس مؤقت للحكم في العراق على محاصصة طائفية وعرقية، وراجت مؤخراً حوارات طائفية خالية من الود ومغرقة في البغض والتحريض والتباعد! فهل نحن في مرحلة لبننة عالمنا العربي بأن نتحدث عن الطائفية ثم تقنن وتصبح بلداننا أوطاناً تقتسمها طوائف لا طوائف تذوب في هويات أوطانها؟ إذ يأتي تقبل المتغيرات على مراحل أولها الانكار، وبالفعل تجد من يقول: لا للطائفية! أقول: جميل، ثم ماذا؟ أهي كلمات تُلفظ أم ممارسة تُطبق؟ تتعدد الإجابات، أما حديث زياد رحباني مع منى الشاذلي فقد عبر بمرارة عن سنوات ضاعت في اقتتال الطوائف في لبنان في حرب أهلية أهدرت جيلاً من اللبنانيين ورمت لبنان منهكاً محتلاً منقوص السيادة. وها هي حروب الطوائف تزدهر في بلاد العرب وعلى مراحل متفاوتة منها من قطع أشواطاً فوصل للاقتتال والتذابح ومنها ما برح في مرحلة «التسخين» والتأجيج الاعلامي. ما أكثر هذرنا؛ ليل نهار نردد: العاقل من اتعظ بغيره، ثم نمرّ على مآسي حرب أهلية طائفية أعادت لبنان قرناً للوراء ولا نلتفت إلا لأغنية «عودك رنان.. تويتر: @ihsanbuhulaiga